نظَّم المجلس الأعلى المصري للثقافة أخيراً احتفالية لتكريم الدكتور محمود فهمي حجازي؛ أستاذ اللغويات في جامعة القاهرة، عضو مجمع اللغة العربية في القاهرة، الرئيس الأسبق لدار الكتب والوثائق المصرية، ورئيس الجامعة المصرية للثقافة والعلوم الإسلامية «نور - مبارك» في كازاخستان خلال الفترة من 2001 إلى 2014 لمناسبة بلوغه سن الخامسة والسبعين. أشارت الأمينة العامة للمجلس الدكتورة أمل الصبَّان إلى دور حجازي في نشر وتعليم اللغة العربية في الكويت وقطر والإمارات والسودان وماليزيا وباكستان، وغيرها. وهو كان أول من أدخل اللغة العربية إلى منظمة «يونيسكو» عام 1969 كلغة سادسة رغم معارضة دول غربية عدة. وعمل خبيراً في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في القاهرة في سبعينات القرن الماضي. أما سفير دولة كوسوفو في القاهرة الدكتور بكر إسماعيل، فأشاد بالتاريخ الحافل في حقل اللغويات للدكتور محمود فهمي حجازي منذ بداياته المبكرة في جامعة القاهرة، وحفظه للقرآن، وحصوله على الدكتوراه من قسم الدراسات اللغوية والسامية من جامعة ميونيخ عام 1965. وقد استقام له نطق متفرد منذ ميعة صباه الأول، وتبصر بفروع العربية: أصواتاً وصرفاً ونحواً ودلالة، وأثمر ذلك ثمرات مباركة تأليفاً في العربية وترجمة إليها من الألمانية مثل «علم اللغة بين التراث والمناهج الحديثة، وترجمة «تاريخ التراث العربي» لفؤاد زسكين والذي يقع في عشرة أجزاء، و»تاريخ الأدب العربي» لبروكلمان. كما أنه محاضر من الطراز الأول يروقك منه ذكاؤه، وجميل عرضه، وقوة عارضته ولغته الرشيقة. ولم ينقل التراث فحسب ولكن كانت له تحليلاته وبحوثه التي تربط التراث العربي بالحياة المعاصرة وترجماته شافية كافية جعلت منه موسوعة لغوية. أما الدكتور عبدالحكيم راضي؛ أستاذ الأدب العربي القديم في جامعة القاهرة والذي عمل مع حجازي كأستاذ زائر في الجامعة المصرية في كازاخستان، فتحدث عن الدور الثقافي والعلمي للعلامة محمود فهمي حجازي خلال توليه رئاسة جامعة «نور - مبارك»، والتي كانت قبل ذلك عبارة عن مبنى صغير ومتواضع يخلو من أي وسيلة تعليمية أو بحثية. ويحسب لحجازي أنه نجح في إقناع المسؤولين المصريين بتخصيص خمسين مليون جنيه لتوسيع الجامعة وتطويرها، وإنشاء مساكن للأساتذة الوافدين، وأصرَّ على أن تكون الدراسة في قسم اللغات مزدوجة؛ بحيث يدرس الطالب الإنكليزية بجوار العربية حتى يتسنى له الحصول على فرصة عمل مناسبة بعد التخرج. وهو كان صديقاً لمفتي كازاخستان الذي ساعد في حل الكثير من المشكلات والعقبات التي تواجه الجامعة هناك. كما أنشأ أقساماً للتاريخ والفلسفة والدراسات العليا، وحوَّل الجامعة إلى منارة للفكر المعتدل في كازاخستان. أما أستاذ الفلسفة الإسلامية في جامعة القاهرة الدكتور مصطفى لبيب، فأشار إلى كتاب «الأوائل» للغوي العربي الشهير أبي هلال العسكري، والذي لو كان حياً لضمَّ محمود فهمي حجازي إلى كتابه. فمحمود فهمي حجازي، محمود السيرة في أي مكان يحل، وعندما تخرج في جامعة القاهرة عام 1958 كان ترتيبه الأول على زملائه وتخرج في سن الثامنة عشرة من عمره، وعُين خبيراً لغوياً في مجمع اللغة العربية في القاهرة وعمره خمسة وثلاثون عاماً. وعُين كبير الخبراء اللغويين في المنظمة العربية للثقافة والعلوم في سن السادسة والثلاثين. وهو أول من حرَّر معجم العربية مع العلامة شليجل، وأول خبير لتطوير اللغة العربية في ماليزيا، وأول مستشار من خارج أوروبا وأميركا لتحرير مجلة الدراسات العربية واللغوية. ومن أبرز أعماله «أصول الفكر العربي الحديث عند الطهطاوي»؛ الذي أصّل فيه المصطلحات اللغوية المعربة والدخيلة، و»مدخل إلى علم اللغة» الذي رسَّخ الدرس اللغوي في الجامعات المصرية. أستاذ اللغة الإسبانية في جامعة القاهرة الدكتور سليمان العطَّار، تحدث عن الجانب الإنساني في شخصية محمود فهمي حجازي والذي يعد قدوة مدهشة لأي إنسان، فرغم علمه الغزير لكنه شديد التواضع، وعندما يشرع في العمل فإنه يؤسس لمشروع جديد دائماً، وقد أشرف على أكثر من خمسين أطروحة جامعية في ألفاظ الحضارة في اللغة العربية وأشار الدكتور عبد السلام الشاذلي؛ أستاذ الأدب العربي في جامعة القاهرة إلى أنه يتشرف بالانتماء إلى مدرسة محمود فهمي حجازي اللغوية والذي يعد كتابه «مدخل إلى علم اللغة العربية هو العمدة في أقسام اللغويات في الجامعات العربية بجوار كتاب العلَّامة رمضان عبد التواب «فصول في فقه اللغة العربية»، وطبَّق تقاليد المدرسة الألمانية في الصرامة والدقة في العمل. وتحدث الدكتور محمود فهمي حجازي، فشكر المشاركين في الاحتفالية، وأشار إلى كثرة اللغط هذه الأيام حول اللغة العربية وتدني مستواها، موضحاً أن استشعار الأزمة هو من أبواب علاجها إذا صحَّت العزائم وشُحذت الهمم. وأضاف أن الخطوة الأولى تتمثل في القضاء على الأُميَّة ورفع الوعي الثقافي لدى الناس. وأعرب حجازي عن أملهب تطوير التعاون الثقافي والعلمي مع دول آسيا الوسطى الذين يعتزون بالتراث العربي والثقافة الإسلامية وهم يفرحون لفرحنا ويتألمون لمصائبنا ويعتبرون أنفسهم جزءاً منا.