لم يعد الأمر مجرد إشاعات يردّدها متتبعو هواتف «بلاك بيري» Black Berry الشهيرة، ولا تكهنّات يلهو بها جمهور من المولعين بتلك الهواتف عبر موقع «كراك بيري» Crack Berry (ترجمته حرفياً تتراوح بين «أعلن أولاً عن بيري» و «اخترق بيري» و «استخدم بيري إلى حدّ تحطيمه») الشبابي. صار أمر استسلام شركة «آر آي إم» RIM الكنديّة الصانعة لهواتف «بلاك بيري»، أمام نظام التشغيل المفتوح المصدر «آندرويد» Android رسميّاً. ولم تكن الراية البيضاء التي رُفِعَت في غمار ذلك الاستسلام، سوى هاتف «بريف» Priv، الذي شكّل أول هاتف ل «بيري» يعمل بنظام «آندرويد» الذي بات يكتسح الأجهزة الذكيّة عالميّاً، بدعم من محرّك «غوغل» الذي صنعه قبل سنوات قليلة. وفي مقر شركة «بلاك بيري» في مدينة «ووترلو» بكندا، لوّح جون شين بهاتف «بريف» أمام كاميرات التلفزة الفضائيّة، مبيّناً أنّه يحافظ على الشكل المعروف لهواتف «بيري»، بمعنى أنه يتألّف من قطعتين تزلقان فوق بعضهما بعضاً، فتحمل إحداهما شاشة والأخرى لوحة المفاتيح النافرة التي طالما اشتهرت بها تلك الخليويّات. وعلى شاشة فائقة الوضوح وعريضة نسبيّاً، ظهرت الأيقونات المميّزة للتطبيقات التي تعمل بنظام «آندرويد»، وهي صارت معروفة عالميّاً. وتبيّن أيضاً أن هاتف «بريف» يعمل بذاكرة عشوائيّة من 3 غيغابايت (تفوق قوّة الكومبيوتر الذي كُتِبَ به المقال!)، وقرص صلب بسعة تخزين تساوي 32 غيغابايت، مع إمكان تدعيمها ببطاقة ذاكرة إضافيّة. ويداعب «بريف» ذائقة الشباب من هواة صور ال «سيلفي»، عبر كاميرا أماميّة تعطي صوراً بقوّة 5 ميغابايت، تضاف إلى كاميرا خلفيّة بقوة 18 ميغابايت، ما يقرّب صورها وأشرطتها من الكاميرات الرقميّة المحترفة. واستطراداً، تحتوي لوحة المفاتيح النافرة، وهي الشكل المميّز لهواتف «بيري»، مفتاحاً متخصّصاً للتعامل مع الكاميرتين والبرامج التي تساندهما. والأرجح أن اسم «بريف» (المشتق من كلمة «برايفسي» privacy التي تعني الخصوصيّة الشخصيّة)، يختصر فصولاً كثيرة من المعركة التي سبقت استسلام «بلاك بيري» أمام «آندرويد». ففي أزمنة سابقة، تباهت تلك الشركة بأن هواتفها تشكّل حصناً يستعصي اختراقه، للخصوصيّة الشخصيّة والأمان الرقمي. وحينها، لم يكن سوى «بلاك بيري» لديه شبكة داخليّة تربط بين أفراده، ما يجعلهم في غنىً عن استخدام شبكات الخليوي في أوطانهم وبلدانهم، أثناء عمليات التواصل بالنصوص والصور. وأدى الإفراط في المناعة والحماية إلى التفريط بهما! إذ احتجّت حكومات لا حصر لها، على ذلك الحصن الذي يحمي المستقرين فيه من العيون الرسميّة. وتصدّر «البنتاغون» قائمة المحتجين، لأن ضبّاطه وطيّاريه استخدموا شبكة «بيري» للتواصل، فصار ما يتناقلونه من معلومات غير معروف بالنسبة الى قيادة البنتاغون. وبطرق شتى، انحنت «بلاك بيري» أمام تلك العاصفة التي لم أحدثت شرخاً في صورة الحصن الذي يتمتّع به هواة «بلاك بيري». جاء إعصار هائل مع تطبيق «واتس آب» الذي قدّم لكل من يستخدمه تلك الميّزة الحصينة التي طالما تباهى بها مستخدمو «بيري» بنخبويّة واضحة، بل أنها كثيراً ما برّرت السعر المرتفع لتلك الهواتف. بعد إعصار «واتس آب»، جاء تسونامي «آندرويد» التي راجت تطبيقاتها عالميّاً، خصوصاً بين الشباب التقني من صُنّاع التطبيقات الرقميّة، خصوصاً لأنها مفتوحة ومجانيّة. لم تستطع «بيري» الاحتماء طويلاً خلف تطبيقاتها الخاصة، بالأحرى أنها مصنوعة بالمشاركة مع شركة «أمازون» الشهيرة. وأثبتت التجربة أن التطبيقات المتجمعة في مخزن «أمازون آب ستور» لا تستطيع مجاراة تطبيقات «آندرويد» الغزيزة، ولا تطبيقات هاتف «آي فون» المعزّزة بالدعم التقني لشركة «آبل». وفي قتال أخير، راقبت «بلاك بيري» طريقة انتشار خليوي «فاير» الذي صنعته «أمازون» وهو يستند إلى تطبيقات «أمازون آب ستور» أيضاً. سجّل «فاير» نجاحاً متواضعاً، بالقياس إلى عمالقة ك «آي فون» و «غلاكسي». وكانت تطبيقات «آندرويد» من الأسباب البارزة لتواضع ذلك النجاح. ولم تعد سوى مسألة وقت. إذ ساد توقّع بقرب تبني «بيري» لنظام «آندرويد». المفارقة أن خليوي «بريف بيري» وصل إلى العيون، بعد أيام قليلة من هواتف «آي فون 6 إس» و«آي فون 6 +» التي سجّلت اختراق «آندرويد» لحصن «آي فون» أيضاً! هل صار «آندرويد» قدراً لصناعة الخليوي، أم أن تعملقه أوصله إلى حدّ الهيمنة والاحتكار؟