كتبت قبل الحرب على العراق وبعدها وحتى اليوم مرة بعد مرة بعد ألف مرة ان الصحافة الأميركية قصّرت في كشف الكذب المتعمد والمبالغة والتزوير خلال الإعداد للحرب، والسبب ان الضحية كان بلداً عربياً مسلماً. وبعد الصحافة الجديدة (الإلكترونية) أمس أكمل اليوم بالصحف الورقية، وتحديداً «نيويورك تايمز» و «واشنطن بوست» وهما أهم صحف العالم في رأيي الشخصي وأرفعها مهنية إلا عندما يكون الموضوع اسرائيل أو العرب والمسلمين. ليس لي من فضل هنا سوى جمع المادة والترجمة، وما سأقدم للقارئ قلته في هذه الزاوية، إلا انني في خندق فلسطين والعرب والمسلمين و «متَّهم» مثلهم، لذلك انقل عن صحافيين أميركيين غير متهمين مثلي. روبرت بيري صحافي أميركي مخضرم عمل لأرقى ميديا أميركية، وكشف كثيراً من أخبار فضيحة ايران/ كونترا في الثمانينات، كما انه مؤلف معروف آخر كتبه «(غارقون) حتى العنق: الرئاسة الكارثية لجورج بوش». وقد تابعت منذ شهر وحتى اليوم مقالات له يقول فيها ما لو قاله عربي لاتهم فوراً باللاسامية، ولعل بيري متهم أيضاً. هو كتب مقالاً عنوانه «الميديا الأميركية تكرر فشلها العراقي في ايران» قال فيه ان «نيويورك تايمز» و «واشنطن بوست» تكرران في تغطية أخبار ايران أخطاءهما في نقل أخبار الحرب على العراق، والميديا الأميركية كلها تبالغ في ما تنشر عن نتائج انتخابات الرئاسة في حزيران (يونيو) الماضي وبرنامج ايران النووي. وأضاف أن أكثر ما يُظهِر الانحياز ضد ايران، كالانحياز السابق ضد العراق، هو صفحات الرأي والتعليق فهناك دول في المنطقة تملك أسلحة نووية وبينها اسرائيل إلا أن هذه لا تذكر أبداً. والواقع ان ايران محاطة بدول نووية من روسيا الى الهند وباكستان، وأيضاً اسرائيل. وانتقد بيري اهمال اسرائيل وتجاوز قضية الخبير النووي موردخاي فعَنونو الذي فضح البرنامج العسكري الإسرائيلي وخطف وسجن وبقي في الحبس الانفرادي 11 سنة من حكم بسجنه 18 سنة. ومع ذلك فالميديا الأميركية لا تذكره أو برنامج اسرائيل وانما تركز على ايران وترسم لها صورة سلبية كالقول انها تؤيد الإرهاب لأنها تدعم حزب الله وحماس. بيري يقول ان كثيرين في الشرق الأوسط والعالم يعتبرون حزب الله وحماس حركتي تحرر وطني (وأنا من هؤلاء الناس)، ثم يذكّر القراء بالاغتيالات الإسرائيلية والاحتلال واضطهاد الفلسطينيين. وهو عاد بمقال عنوانه «نيويورك تايمز تنحرف نحو المحافظين الجدد» انتقد فيه تحديداً افتتاحية للجريدة ركّزت على ايران وبرنامجها النووي، وقال ان القنبلة النووية الإيرانية غير موجودة، والجريدة تتجاهل اسرائيل وتتحدث عن زيادة الصين مخزونها النووي الى حوالى 200 قنبلة، وهو رقم مخزون اسرائيل الذي تهمله الافتتاحية. وأكملَ بيري بمقال هذا الشهر عنوانه «واشنطن بوست الفظيعة» شكا فيه من أن سمعة الجريدة انها ليبرالية، إلا أن صفحات الرأي فيها ملأى بالمحافظين الجدد. وهو شكا تحديداً من مقال كتبه ريتشارد كوهن نفى فيه ان تكون اسرائيل دولة ابارتهيد أو عنصرية ولمح الى أن الذين يهاجمونها هم عنصريون. وقال بيري ان رفض كوهن مقارنة معاناة الفلسطينيين بمعاناة السود في ظل النظام العنصري في جنوب أفريقيا يتناقض مع شعور كثيرين بعضهم من أصدقاء اسرائيل بأن اسرائيل تستولي (أقول تسرق) على أراضي الفلسطينيين بانتداب توراتي. روبرت بيري ليس وحده صوتاً صارخاً في البرية، ومقال ريتشارد كوهن لقي انتقاداً مماثلاً من تشاس فريمان في مقال عنوانه «هذه المرة الابارتهيد بتواطؤ غربي» جاء فيه ان كوهن ينكر الحقائق التي تؤكد أن اسرائيل تمارس ابارتهيد ضد الفلسطينيين، وان اسرائيل لها انصار في الخارج يدافعون عنها من اليهود والمسيحيين الصهيونيين وهو ما لم يكن متوافراً للنظام العنصري الأبيض في جنوب أفريقيا. أما اليسون كيلكني وجيسون لينكينس فانتقدا في مقالين يفصل بينهما اسبوعان ان يبقى المعلق توم فريدمان في «نيويورك تايمز» على عناده مؤيداً الحرب على العراق كما أيدها في السابق، ويقول انها أعطت العراقيين فرصة بناء عقدهم الاجتماعي. ويرد لينكنيس مصراً على ان ثمن الحرب لا يبرر أبداً النتائج. ويكمل كيلكني مذكراً بمئات ألوف القتلى العراقيين وبجرائم شركة الحراسة الخاصة «بلاكووتر» ضد المدنيين وغير ذلك مما يعرفه القراء العرب. وأقول ان كوهن وفريدمان من المعتدلين فيمكن ان نتصور ما يكتب المحافظون الجدد المتطرفون. كل ما نقلت عن الصحافيين الأميركيين قلته أنا في هذه الزاوية، وقاله صحافيون عرب آخرون. غير ان المهم في كلام الأميركيين انه يثبت صدقنا نحن، كما يظهر تراجع سمعة اسرائيل وأنصارها، فهي كالإمبراطور في الخرافة المعروفة، من دون ثياب وعريها الأخلاقي والأدبي والإنساني فاضح واضح. [email protected]