لا ينتمون إلى إحدى القبائل البدائية في أدغال الأمازون، فهم مواطنون عاديون يرفضون أن ينتعلوا حذاءً، ويصرون على أن تلامس أقدامهم الإسفلت الحارق مباشرة، من دون أن يشعروا بأي ألم، فمع مرور الزمن تشكلت طبقة خشنة عازلة أسفل أقدامهم لتحل محل الأحذية. ويجد من يصادفهم في طرقات قرى الأحساء منظراً متناقضاً بين من يرتدون الثياب النظيفة، إلا أنهم حفاة، في صورة تبدو شاذة، على رغم التطور الذي لم يلمس أقدامهم. ولا يتخلى هؤلاء الحفاة عن هندامهم النظيف، عدا الحذاء، ويفاجَأ من يلتقيهم من خارج قريتهم بأن أسفل الغترة والثوب النظيفين قدمان متسختان عاريتان، وهو ما يجعل الصورة مختلة. لكن سرعان ما يتحولوا من مجرد شيء غريب إلى حكاية يتندرون بها. وعلى رغم قلتهم؛ إلا أنهم يَلفتون الأنظار بشكل غريب. ويعتقد بأن ينتهي هذا الجيل مع رحيل الجيل الحالي منهم، إذ لم يمتد تأثيرهم لذويهم، على رغم وجود عامل وراثي في هذه الحالات، إذ يذكرون أن بعض أجداد هؤلاء كانوا حفاة لا يحبون الأحذية، ولا يمكن أن تجبر أجواء الطقس القاسية، صيفاً وشتاءً، هؤلاء من عدم التنقل بحرية تامة من دون الشعور بالألم. ففي الوقت الذي يبحث فيه الناس عن أجود أنواع الأحذية وأفخمها، يفضل عبدالله سالم (في العقد السادس)، ألا يشغل نفسه بكل تلك الأنواع، حتى أنه لا يعرف القياس الدقيق لقدمه. ويقول: «منذ أن كنت صغيراً وأنا حافي القدمين، واعتدت على هذا الوضع، حتى إنني كنت أعاني من نظرات الناس لي، لكن سرعان ما تعودوا». وعن المواقف التي مر بها، ذكر أن من أصعبها «الضربات الكثيرة التي تلقيتها من المطوعة التي كنت أدرس عندها وأنا طفل، إذ أصرت على أن حضوري من دون نعلين ينقل الأوساخ إلى مجلسها. وحاولت لكنني لم أستطع، فتركت الكتاتيب ولم أكمل دراستي، على رغم إصرار والدي. وبعد أن تأكدت المطوعة بأنني لا أستطيع ارتداء الحذاء؛ وافقت مكرهة على تدريسي. وكنت أتحاشى ضحكات الأطفال حينها». وفقد عبدالله بصره في بداية العقد الثالث من عمره، وهو ما أثر في سهولة تنقلاته، ويقول: «حين أمشي لا أستطيع أن أتحاشى الأحجار أو الزجاج والمسامير. وكان أمراً صعباً. ولكن مع الوقت والإصابات الكثيرة؛ اعتادت قدماي على هذه العوائق، فلا أشعر بالألم الذي يشعر به الآخرون الذين ينتعلون الأحذية، فهي مجرد وخزة صغيرة، سرعان ما ينتهي ألمها». ويضطر حجي ناصر علي (في العقد السابع)، إلى نقع قدميه قبل أن ينام في ماء وملح مضاف إليه أغصان الريحان؛ لتخفيف شدة الجذب التي تسببه الطبقة السفلية لقدميه، والتي تحولت مع مرور الزمن إلى ما يشبه جلدة خف الجمل. ويعد فصل الشتاء الأكثر ألماً ومعاناة على قدميه العاريتين. ويذكر ابنه أحمد: «كنا نشعر بإحراج كبير حين نرى والدنا حافي القدمين، حتى إننا اتهمنا بعدم البر في والدنا، وشراء حذاء له، لكن مع الوقت أصبح الأمر معتاداً جداً؛ لأننا يئسنا من إقناعه بأن يرتدي حذاءً». ويضيف: «استخدمنا حيلاً كثيرة لإقناعه بارتداء حذاء، حتى إن أحد المشايخ قال له بأنه يمكن أن تكون قدماه نجستين، ولا يجوز أن يدخل بهما إلى المسجد، أو حتى أن يصلي بهما، فرد بسخرية إن الأرض بغبارها والشمس بحرارتها كفيلة بأن تطهر قدماي، فضحك الشيخ، وقال: صدقت. فرفعنا راية الاستسلام أمامه». ويوضح أحمد أن هناك كثيرين ممن هم على شاكلة والده، ليس في الأحساء فقط، بل في مناطق مختلفة من العالم، ووالدي واحد منهم، وجرب في وقت من الأوقات ارتداء حذاء. لكنه أصيب بحساسية مفرطة وتورم في جوانب القدم. وقررنا تركه يفعل ما يريد»، مضيفاً: «لا يشتكي والدي من أي مرض، ولله الحمد؛ لأنه يمشي كثيراً، وأعتقد بأن ملامسته الأرض وغبارها سبب رئيس في تمتعه بالصحة الجيدة».