المبادرة التي أطلقها زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري كانت وراء إنقاذ الجلسة التشريعية التي انعقدت أمس ومنع إقحام البلد في اصطفاف طائفي حاد ووقف تصدع «قوى 14 آذار». لكن إعادة الروح إلى هذا التحالف تتوقف على مدى نجاح الجهود الرامية إلى ترميمه من الداخل مع أنه لا يبدو في المدى المنظور أنها ستحقق أهدافها ما لم تطرأ تطورات تفرض على أطرافه تغليب نقاط الاتفاق على بنود الاختلاف التي مازالت قائمة. ومن واكب الأجواء التي سادت اجتماع قيادات «14 آذار» أو من ينوب عنهم ليل أول من أمس، يخلص إلى القول إن إعادة اللحمة إليها تبدو وكأنها مهمة صعبة، خصوصاً أن التباين بين هذه القيادات ظهر بوضوح حول تفسير بعض بنود مبادرة الحريري. وعلمت «الحياة» بأن الاختلاف في تفسيرها تمحور حول مطالبة ممثل حزب «القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان في الاجتماع بسحب التوصية التي كانت صدرت عن المجلس النيابي وفيها تأجيل وضع قانون انتخاب جديد إلى ما بعد انتخاب رئيس الجمهورية العتيد. ولقيت مطالبة عدوان، وفق مصادر بارزة في «14 آذار» اعتراضاً من رئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميل ومعه عدد من النواب المستقلين وأطراف آخرين، على خلفية أن سحبها يعني أن رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي ميشال عون كان على حق في مطالبته منذ أكثر من سنة ونصف السنة بأن تعطى الأولوية لوضع قانون انتخاب تجري على أساسه الانتخابات النيابية ليقوم المجلس المنتخب بانتخاب رئيس، كما يعني أن «14 آذار» تخلت عن موقفها ولم تعد تصر على إنجاز الاستحقاق الرئاسي أولاً. ولفتت المصادر إلى أن مشاركين في الاجتماع صارحوا عدوان بقولهم إن هذا يسهل انتخاب عون رئيساً للجمهورية، وإذا كان هذا هو المقصود فلا مانع من أن يؤتى بزعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، ولم يتردد الجميل في تأييده ترشحه، إضافة إلى أن معظم الحضور، ومن بينهم النائب مروان حمادة، نصحوه بعدم طرحها في الهيئة العامة للبرلمان لأنهم سيصوتون ضد سحبها. وحاول عدوان - كما تقول المصادر- توضيح موقفه بقوله إن «القوات» لم تبدل موقفها وإنما هناك ضغط مسيحي لوضع قانون انتخاب جديد، لكن هناك من قال له إن لرئيس المجلس النيابي نبيه بري تفسيراً آخر لما ورد في مبادرة الحريري لجهة التزام تيار «المستقبل» عدم حضور أي جلسة تشريعية بعد الآن غير مخصصة لمناقشة قانون للانتخابات بهدف التوصل إلى صيغة لإقراره. وأدى الحديث عن موقف بري إلى إطلاق نقاش داخل «14 آذار» على أساس أنه ليس ملزماً بأي تفسير غير تفسيره الذي يراه مناسباً ومن قال إنه على استعداد لسحب هذه التوصية ما لم يصر إلى وضع قانون انتخاب لا يسقطها تلقائياً. وفهم من النقاش أن بري يميل حتماً إلى تشكيل لجنة تواصل نيابية لوضع هذا القانون ضمن مهلة زمنية محددة، وكان اقترح أن يرأسها النائب عدوان وتضم ألان عون عن «التيار الوطني الحر» وعلي فياض عن «حركة أمل» و «حزب الله» وأحمد فتفت عن «المستقبل» وممثلاً عن «اللقاء النيابي الديموقراطي» وآخر عن «الكتائب»، مع أنه تردد أن «القوات» و «تكتل التغيير» لا يحبذان ضم ممثل عن الأخير، لكن معظم الكتل أصرت على ضرورة حضوره في اللجنة وهذا ما أخذ به أيضاً رئيس المجلس. كما فهم من خلال المداولات أن بري سيسارع إلى إحالة مشاريع قوانين الانتخاب على اللجان النيابية المشتركة في حال لم تتمكن لجنة التواصل من التوافق على عناوين رئيسة لقانون موحد ضمن المهلة الزمنية المحددة لها، لأن من غير الجائز إدراج قانون الانتخاب على جدول أعمال الهيئة ما لم يحل إليها من اللجان. لذلك يقترح رئيس المجلس في الجلسة التشريعية المقبلة تشكيل لجنة التواصل بعدما تردد عدوان في دعوتها بطلب منه. ناهيك عن أن لدى عون تفسيره الخاص للبند نفسه، وهو ما أسرَّ به خلال استقباله وفد جمعية المصارف برئاسة جوزف طربيه بقوله إنه انتصر، وإن عودة التشريع إلى البرلمان ستكون لمصلحته، لأن من أولى مهماته في الجلسة المقبلة وضع قانون انتخاب تجرى على أساسه الانتخابات النيابية لينتخب المجلس المنتخب الرئيس، وهذا كله نصر لمشروعه الرئاسي. كما أن عون، كان أبلغ البطريرك الماروني بشارة الراعي من خلال موفديه إلى بكركي، أن هناك من عمد إلى التهويل بضرورة إقرار البنود المالية في الجلسة التشريعية قبل نهاية السنة وإلا فلبنان سيدرج على اللائحة السوداء التي تحرمه من أن يكون جزءاً من النظام المالي والمصرفي العام. وعلمت «الحياة» أن الراعي صارح طربيه بما سمعه من موفدين لعون، من أن الهدف من التهويل ضرب الميثاقية وأن رئيس جمعية المصارف وضع بتصرفه كل ما لديه من تحذيرات في حال تعذر انعقاد الجلسة التشريعية، ما يفسر المواكبة الدولية لردود الفعل الإيجابية على مبادرة الحريري التي أدت إلى إنقاذ الجلسة، إضافة إلى الاتصالات التي تلقاها طربيه من المؤسسات المالية الدولية ومسؤولين في الأممالمتحدة. وعليه، لا تجد دعوة عدوان إلى سحب التوصية تأييداً في داخل «14 آذار». وتعزو المصادر نفسها السبب إلى أن مجرد سحبها من دون أن يسبقها إقرار قانون انتخاب سيؤدي إلى إضعاف موقفها في الحوار الموسع الذي يعطي «8 آذار» ذريعة للقفز فوق البند المتعلق بأولوية انتخاب الرئيس إلى البنود الأخرى، وستجد نفسها محرجة، علماً أن «القوات» لا يشارك في الحوار. كما أن قيادات في «14 آذار» أبدت في هذا الاجتماع مجموعة من الملاحظات على اقتراح قانون إعادة الجنسية المقدم من «التيار الوطني» و «القوات» والذي جرى التوافق عليه بعد تعديله من لجنة نيابية مؤلفة من «14 آذار» و «تكتل التغيير»، ومن أبرزها حرمان الذين كانوا يقيمون في لبنان إبان الإمبراطورية العثمانية من استعادتها، في الوقت الذي يُسمح فيها لمهاجرين منذ أكثر من قرن ونصف إلى دول أميركا اللاتينية بالإفادة من هذا القانون من خلال من يمتون بصلة القربى المباشرة إليهم. وتوقعت المصادر أن يخضع اقتراح القانون إلى تنقية ما يحتويه من شوائب لئلا يؤدي إلى الجمع بين استعادة الجنسية وبين وضع مشروع جديد للتجنيس، مع أن قيادات سياسية من «14 آذار» وخارجها أبلغت المعنيين تأييدها إياه شرط ألاّ يندموا لاحقاً إذا انتهى إلى نتائج عكسية. ويبقى السؤال: «هل سيحقق هذا المشروع مبتغاه بتحقيق توازن ما بين المسلمين والمسيحيين أم أنه سيكون مجرد «علاج نفساني» بلا نتائج في حال كان التجاوب دون المستوى المطلوب، هذا إذا ما حسم الموقف من تاريخ الإحصاءات الواجب اعتمادها لإعادة الجنسية إلى المهاجرين؟». أما في خصوص القول إن مبادرة الحريري جاءت في محلها لرأب الصدع في داخل «14 آذار»، فإن معظم الذين يشكون من التداعيات السلبية المترتبة على تزايد نقاط الاختلاف بين قواها الرئيسة يشيدون بالدور الذي قام به الحريري وإن كانوا يرون أن وقف تصدعها بات في حاجة إلى بذل جهد فوق العادة، لأن فاتورة الاختلاف تكبر يوماً بعد يوم ويكاد منسوبها يغطي على نقاط التفاهم. ولا يمكن منسق الأمانة العامة النائب السابق فارس سعيد أن يحجبها عن الأنظار حيناً بصمته وأحياناً بمعاناته الدفينة التي يتقاسمها معه جمهور «14 آذار» وعلى رأسه ما يسمى بأعضاء المجلس الوطني للمستقلين.