اطلق الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى اقتراحاً عشية القمة العربية يقضي بالدعوة الى «تبني سياسة جوار عربية، تقودها وتكون بؤرتها الجامعة، وترتكز على التجمع العربي وتحيط به، ويكون أول المرشحين للانضمام اليها تركيا»، مشدداً على وجوب اقامة «حوار عربي - إيراني عاجل تطرح على طاولته مجمل المشاكل التي تسبب الاضطراب والالتباس في العلاقة العربية - الإيرانية»، وأن «تكون الصراحة والشمول الأساس الذي يقوم عليه هذا الحوار، للدفع نحو علاقة عربية - إيرانية ايجابية تسهم في تحقيق الاستقرار في المنطقة، وفي الاتفاق على مسار للأمن الإقليمي والعمل على التوصل إلى سلام عادل». وكان موسى الموجود في لبنان، يتحدث امس في «جامعة الروح القدس - الكسليك»، التي احيت يوم جامعة الدول العربية في ذكرى تأسيسها ال65، برعاية رئيس الجمهورية ميشال سليمان وحضور ممثلين عن الرؤساء الثلاثة وحشد من السياسيين. وإذ نوّه موسى بحيوية الشعب اللبناني وإقدامه، قال: «أتحدث إليكم ولبنان يمر بمرحلة أخرى من عدم اليقين، والخشية أن يكون مجرد كرة في لعبة الأمم، وأن يتحمل قبل غيره نتائج الشد والجذب، والتهديد والوعيد على المستوى الإقليمي، وأن يعاني قبل غيره تقلصات المخاض لشرق أوسط ذي أبعاد غير التي نعرفها، بل وربما لعالم عربي مختلف». ولفت الى ان «العالم العربي يمر بأزمة من أزماته الكبيرة هي تلك المتعلقة بقضية فلسطين وتطوراتها، وحدة التلاعب بمقدراتها، وانقسام قياداتها، وتصاعد المزايدة على شعبها، بل وخداعه وإيهامه بأن الحل ممكن، وأنه على الأبواب، وهو في الحقيقة بعيد بعيد». وتوقف عند «لحظة تراجع عربي واضح، ولست أقصد بالتراجع الخلافات الثنائية أو التردد السياسي فقط، أو الخضوع لتأثيرات ولتداعيات الاستراتيجيات العالمية أو خسارة الريادة الإقليمية، أو التعرض لنزوات المصالح الأجنبية فحسب، وإنما أقصد بصفة خاصة التراجع الحضاري والثقافي والعلمي، ومن ثم ضعف الإسهام العربي في مسيرة العالم نحو مستقبل جديد للبشرية»، مؤكداً ان «الحديث عن القومية ليس بالضرورة حديثاً خارجاً عن حدود الزمن، ولا هو حديث يعيدنا إلى فكر سلف، إن المشاعر القومية مشاعر سليمة صحيحة وصحية ما دامت تستند إلى أسس متينة من العقل والحساب ومنطق الأمور، وليس إلى أسس تستند إلى مجرد العاطفة أو الأحلام». ودعا الى «الخروج من صالونات الثقافة ومحافل الاسترخاء الذهني، ومغادرة شوارع العاطفة وميادين الشعر والخطابة، لتصبح العروبة مشروعاً إقليمياً شاملاً وبناء يستند إلى الإصلاح المشترك لوضع المجتمعات العربية وفق خطط متناسقة، تطاول العلم والتعليم والصحة والعمل، والتحديث والحفاظ على التراث، أي نظل عرباً. ولكن نكون عرباً يتناغمون مع القرن الحادي والعشرين». وشدد على ان «المشروع العربي الشامل، لا يمكن ولا يجب أن يكون محلاً لمساومات توقع بين العرب وغيرهم من شركاء المنطقة، بل شركاء التاريخ والثقافة». وقال: «مستقبل الشرق الأوسط سيتحدد بواسطتنا نحن العرب، فنحن الغالبية الكبرى فيه، نحن قادته ورواده وأصحابه، ولكن بمشاركة فاعلة من الآخرين متفاهم عليها ومرحب بها، وهنا أقصد بالتحديد تركيا وإيران». وأكد «ان قيام السلام العادل في المنطقة وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي أصبحا ضرورة ذات أهمية استراتيجية كبرى، وهو ما يجب التوصل إليه على أسس استرداد الأراضي العربية المحتلة، وعدم التنازل عن حق تقرير المصير للفلسطينيين ليقيموا دولتهم ذات السيادة على مجمل أرضهم المحتلة في حزيران (يونيو) 1967 وعاصمتها القدسالشرقية، وأيضاً على أساس ما نصت عليه مبادرة السلام العربية في بيروت من التزامات متقابلة أساسها احترام القانون الدولي والحقوق التي يحميها»، معتبراً «ان الأمن الإقليمي موضوع لا يقل أهمية عن موضوع السلام العادل، بل إنه مرتبط به ارتباطاً عضوياً»، وإن «اللحظة التي يجب أن نعد فيها المسرح للنقاش الجدي حول مشروع للأمن الإقليمي في الشرق الأوسط حانت»، لافتاً الى وجوب أن «تكون نواته إخلاء المنطقة من السلاح النووي، بدءاً بالترسانة النووية الإسرائيلية، والعمل على خفض التسلح من دون استثناء لأي دولة وضمان الأمن للجميع». المبادرة العربية وشدد على ان اسرائيل «لا يمكن أن يكون لها مقعد على مائدة النقاش حول حاضر المنطقة أو مستقبلها وأمنها من دون أن تقبل أولاً بقيام دولة فلسطينية ذات سيادة وعاصمتها القدسالشرقية على حدود عام 1967، وأن يكون قبولها بذلك رسمياً وواضحاً وقانونياً ومعتمداً من الأممالمتحدة، وأن تقوم الدولة فعلاً، أو من دون أن تنسحب إسرائيل من الجولان العربي السوري وما تبقّى من أراضٍ لبنانية محتلة، أو من دون أن يجرى تفاوض جدي ينتج حلاً منصفاً لموضوع اللاجئين على أساس حقي العودة والتعويض. وفي كل الأحوال فإن حل الصراع العربي الإسرائيلي يقوم في عرفنا على قبول اسرائيل بالمبادرة العربية في نصها وروحها المتوازنة والخلاقة». ولفت الى «أن دور الجامعة العربية في العراق مسجل ومعروف من الدقيقة الأولى لغزو العراق». وقال: «لولا أصابع أجنبية رفضت وخربت «الحل العربي» لأمكن منذ عام 2005 أن نطلق مصالحة وطنية من شأنها أن تحقن الكثير من الدماء وتوفر الكثير من الوقت. ولا يفوتني في هذا السياق، أن أذكر بدور الجامعة في التعامل مع أزمة دارفور وجهود تحقيق السلام الشامل في السودان، وكذلك في التوقيع على اتفاق جيبوتي لتحقيق المصالحة الوطنية في الصومال، وهي جهود بذلت فيها الجامعة طاقات كبيرة وما زالت محاولاتها مستمرة وصامدة وفاعلة على رغم الصعاب والعقبات الكثيرة». وقدم موسى عرضاً لما حققته الجامعة العربية على المستوى الاقتصادي ورأى ان «العمل العربي لا يزال مقصراً في مجال محاربة الفقر وسوء التغذية وتوفير الرعاية الصحية والتأمينات الاجتماعية والحفاظ على البيئة، وكذلك في تحسين نوعية التعليم». وكان وزير الخارجية علي الشامي ممثلاً الرئيس ميشال سليمان امل في مداخلته في «أن يستمر السعي للارتقاء بالعمل العربي المشترك في إطار الجامعة إلى مستوى الفعل والتأثير عبر استباق الأزمات». وشدد رئيس الجامعة الأب محفوظ على «أن جامعة تحرص على أداء دورها في العالم العربي والمشرقي، بالانفتاح على قيم الثقافة ونمو الإنسان». وانتقدت نائب رئيس «مؤسسة الوليد بن طلال» الإنسانية الوزيرة السابقة ليلى الصلح في كلمة «الحكام العرب الذين اختاروا السلامة وليس السلام، وشعوبها المراقبة وليس المشاركة». وسألت: «أضعفٌ هذا أم صغر أم استسلام للأقدار أم خوف على أحادية الحكم؟». وقالت: «أيها اللبناني، أنت اليوم لقيط العروبة، وحيد في هذه الدنيا، لا حامي لك ولا جار، قم وارفع مستوى التعامل مع أوصيائك في البلدان العربية، من الولاء الى المحبة، من الطاعة الى المداولة، ومن التبعية الى الأخوة». وكان موسى أجرى محادثات صباحاً مع الشامي، ونفى ان يكون موضوع قضية إخفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه أدرج على جدول أعمال القمة وقال ان الوزير الشامي «تكلم عن الإشارة الى هذا الموضوع كفقرة في قرار أحد القرارات المطروحة، انما لا يوجد بند لمناقشته في ذاته على جدول اعمال القمة». ورفض الحديث عن موضوع مشاركة لبنان في القمة «لأن ذلك سيعرض على مجلس الوزراء اللبناني ولا أريد ان اتدخل فيه، انما آمل بأن تشارك كل الدول العربية وعلى اعلى المستويات او على المستويات المسؤولة وهذا أملي كأمين عام طبعاً. وانا أعلم ان هناك حضوراً كثيفاً وأرجو ان لا تكون لأي سوء تفاهم تداعيات في أي من هذه الإجراءات التي تحدثت عنها». وإذ اشار الشامي الى ان «هناك مشروع قرار يصدر عن وزراء الخارجية العرب تحضيراً لمؤتمر القمة يتضمن بنداً يتعلق بدعم الجهود لمعرفة قضية تغييب الإمام موسى الصدر، اكد موسى ان «هذا المشروع يرفع الى القمة وانما مناقشته تكون ضرورية في حضور صاحب المصلحة». وزار موسى عصراً جامعة بيروت العربية لمناسبة يويبلها الذهبي في حضور شخصيات سياسية وديبلوماسية واكاديمية . وشكا موسى في كلمة من ان «مستوى التعليم الذي نعانيه الآن ادى الى الكثير من التراجعات في حركة المجتمعات العربية»، واكد ان «مثل هذه الجامعة التي اصبح عمرها نصف قرن من الزمن هي التي تشكل قاطرتنا نحو المسشتقبل». وعن التمثيل الفلسطيني في قمة ليبيا، حمّل موسى مسؤولية الخلاف الفلسطيني الى «الطرفين المتنازعين»، وقال: «ليس المقصود من التمثيل الفلسطيني ان نأتي بكل الفلسطينيين ليتعاركوا في القمة، وهذا الانقسام أضر بالقضية الفلسطينية والموقف العربي، يتعاركون على أمر غير موجود فحتى اللحظة لا يوجد دولة إسمها فلسطين، بل أن هناك حكومة ليس بالمعنى الحقيقي للكلمة لأنها مجرد ادارة تدير أموراً في مناطق منعزلة، المسألة من سيذهب بل ان الجميع في فلسطيني مخطئون».