يُعتبر موضوع حقوق المرأة من أكثر المواضيع التي تستقطب اهتمام منظمات المجتمع المدني في لبنان، فهناك أكثر من 50 منظمة وجمعية ناشطة في مختلف المجالات التي تهتم بالشؤون النسائية، وهي يمكن أن تلتقي على بعض المواضيع وطرق التعامل معها، فيما تكون على مفترق طرق في مواضيع أخرى. لكن على رغم هذا العدد الكبير، لا تزال المرأة اللبنانية تعاني من انتهاك لحقوقها في نواحٍ عدة كقوانين الأحوال الشخصية التي تظلمها في حالات كثيرة، وضعف التمثيل السياسي في الدورات الانتخابية التي نظّمت وصولاً إلى الانتهاكات الواضحة في مفهوم المساواة، ما يظهر من خلال منع المرأة إعطاء الجنسية لأطفالها على سبيل المثال. وتكرّ سبحة العوائق والمشكلات التي تعاني منها المرأة اللبنانية، ما يدفع إلى التساؤل عن مدى جدوى عمل المنظمات المدنية وإذا كانت تؤدي دوراً فعالاً في تحصين المرأة وحمايتها من خلال العمل على إقرار التشريعات المناسبة. وللإجابة عن هذا التساؤل، كان لا بدّ من تقويم للاستراتيجية الوطنية للمرأة التي تمتدّ من 2011 إلى 2021 أي على مدى عشر سنوات، وتحديداً الخطة الوطنية (2013 – 2016) التي وضعتها الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية بالشراكة مع الإدارات الرسمية والمجتمع المدني لإنفاذ الاستراتيجية. ويذكر أنّ الهيئة الوطنية ترتبط مباشرة برئاسة مجلس الوزراء، وقد حدّد لها القانون مهام استشارية، تنسيقية وتنفيذية وهي تقوم بدور استشاري لدى الحكومة وسائر الإدارات والمؤسسات الرسمية في كل ما يتعلّق بأوضاع المرأة وبقضايا اجتماعية. جهود المجتمع المدني لتقديم تقويم موضوعي حول تطبيقات الخطة الوطنية الخاصة بالمرأة اللبنانية، تعاونت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة مع 8 وزارات وعيّنة من 48 منظمة مدنية، بمساهمة من صندوق الأممالمتحدة للسكان. وتشرح الدكتورة مارغريت حلو التي أشرفت على التقرير المعدّ أنّه يهدف إلى تقويم مسار تنفيذ الخطة الوطنية، التي شملت 12 خطة عمل فرعية خصص كلّ منها لتحقيق واحد من الأهداف الواردة في الاستراتيجية الوطنية. وقد دقق في كل جانب من ناحية تعاطي منظمات المجتمع المدني من جهة مع الجهات المانحة، والإدارات الرسمية من جهة أخرى. وتكشف حلو عن أبرز النقاط التي تمّ التوصل إليها من خلال التقويم. فمن ناحية السياسات والقوانين والتشريعات، نشطت 19 منظمة من العينة في هذا المجال، عملت على نشر الثقافة القانونية، وعلى تبنّي أو تعديل قوانين لإزالة التمييز ضد المرأة محاولة استغلال الموارد المتاحة لها. أما الجهات المانحة، فكانت أيضاً ناشطة في هذا المجال، لكن طموحات كل هذه المنظمات اصطدمت في المجال القانوني بنقص الموارد وتباطؤ صنّاع القرار على مختلف المستويات في تبنّي الإصلاح القانوني أو التنظيمي المرتجى، مع غياب أي دور فاعل للوزارات لجهة أخذ المبادرة في المطالبة بالإصلاح القانوني والتنظيمي لإحقاق المساواة الجندرية. وكذلك في المجال التربوي، حيث تبيّن أنّ مستوى الشراكة بين منظمات المجتمع المدني من جهة وبينها وبين وزارات الدولة من جهة أخرى لا تزال دون المرتجى. العامل المعطّل بالانتقال إلى مجال الصحة والصحة الإنجابية المهم جداً للمرأة، فقد تبين وجود نقص لافت في الدراسات حول صحة المرأة وحاجاتها الصحية، مع ضعف في آليات المراقبة والمتابعة والتقويم من قبل الجهات المختصة لضمان جودة الخدمات الصحية المقدمة وفاعليتها خصوصاً في المناطق الأطراف. كذلك الأمر بالنسبة للمجال الاقتصادي، حيث تنشط منظمات لتعزيز قدرات المرأة المهنية، لكن لا يزال العمل دون المرتجى في مجالات التدريب المهني، برامج الاستلحاق المدرسي أو المهني، تأمين التمويل والقروض بشروط سهلة، إضافة إلى التوعية والتدريب على أهمية دور المرأة في القيادة. وربما يتلقّى صنّاع القرار اللوم على التباطؤ في العمل، ضمن مجالات نسائية عدة وفق التقويم. لكنّه يسند دوراً منتقصاً أيضاً لمنظمات المجتمع المدني خصوصاً في المجال السياسي، حيث يعتبر أنّ هناك نقصاً في العمل على كسب تأييد القوى الفاعلة والمطالبة بكوتا نسائية في الوظيفة العامة. غير أنّ الرؤية العامة تتجه نحو اعتبار أنّ نقص الإرادة السياسية هو العامل الأساسي المعطّل لإصلاح الانتهاكات التي تحدث تجاه حقوق المرأة، لا سيما حين يتبيّن مثلاً أنّ وزارة الشؤون الاجتماعية لم تطوّر أي برامج لمساندة المرأة المعنّفة ولم تعمل على زيادة بيوت الحماية التي تتعاقد معها، وذلك دليل واضح على سياسة اللامبالاة التي لا تزال منتهجة في كل ما يختص بحقوق المرأة والأخطار التي تتعرّض لها. وبناء عليه، ترى ممثلة صندوق الأممالمتحدة للسكان في لبنان أسمى قرداحي أنّ هناك تقدماً ملموساً في لبنان على صعيد المساواة بين الجنسين، لكن هناك ثغرات لا تعدّ ولا تحصى أيضاً. إلا أنّ الاستراتيجية الوطنية للمرأة في لبنان تشكّل إطار عمل أساسياً، ولا يمكن تفعيله حقيقة من دون التشارك بين منظمات المجتمع المدني وبينها وبين صنّاع القرار. وترى قرداحي أنّ تقرير تقويم الخطة ليس إلا البداية، وهناك حاجة ماسة لمزيد من التقارير لمتابعة تنفيذ الخطة والحصول على قاعدة معلوماتية حول عمل المنظمات المدنية.