توج زيارة فلاديمير بوتين، رئيس الوزراء الروسي، الأخيرة الى الهند نجاح كبير. وأبرمت اتفاقات بين موسكو ودلهي قيمتها نحو 10 بلايين دولار لتطوير التعاون العسكري – التقني، والتعاون في حقل الطاقة النووية السلمية والاتصالات والتكنولوجيا الملاحية، والقطاع العلمي الثقافي. ويتوقع أن تبلغ قيمة عقود بناء المفاعلات النووية وإنتاج الطاقة الكهربائية نحو 36 بليون دولار. ويسهم التعاون هذا في توسيع روسيا رقعة أسواقها الخارجية، ويعين الهند على تعزيز قدراتها الدفاعية والاقتصادية في منطقة استراتيجية، ويفتح سوق الطاقة العالمي أمامها. وتمتنع روسيا عن تزويد الصين، جارة الهند القوية ومنافستها، التكنولوجيا العسكرية المتطورة التي تقدمها الى الهند. وهي لا تتستر على طموحها الى استخدام التكنولوجيا الهندية المتطورة في تحديث اقتصادها، ورغبتها في ترسيخ التعاون السياسي مع الهند، في وقت تجمع بين البلدين مصالح حيوية استراتيجية واقتصادية في المنطقة المحيطة بالهند والقريبة من روسيا، خصوصاً في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف في باكستان وأفغانستان. والحق أن نجاح التعاون بين البلدين هو رهن تذليل بعض العقبات التي تواجهه، وأبرزها قوانين الاستثمارات الأجنبية. فالهند تفرض قيوداً صارمة على الاستثمارات هذه، بينما التشريعات الروسية تخفف القيود عليها. وتتلقى المصارف التي يسهم فيها الرأسمال الأجنبي والعاملة في روسيا، دعماً مماثلاً للدعم الذي تتلقاه المصارف الوطنية الروسية لمواجهة الأزمة المالية العالمية. وعلى رغم الدعم هذا، يحتاج قطاع الأعمال الأجنبي في روسيا الى اهتمام الحكومة الروسية. وتعيد زيارة فلاديمير بوتين الهند الى الأذهان زيارة رئيس الحكومة السوفياتية، اليكسي كوسيغين، في 1968، وهي أرست العلاقات بين البلدين على أسس متينة. فارتقت الهند، قبل انهيار الاتحاد السوفياتي في 1991، الى أهم شريك له في الاقتصاد الخارجي. وتعاونت دلهي مع روسيا سياسياً خلال الحرب الباردة. ويحتذي، اليوم، بوتين على كوسغين، على رغم تأخره. وكان من المفترض أن يبرم مثل هذا الاتفاق التاريخي قبل عقد عندما وقّع مع دلهي، في خريف 2000، على بيان مباشرة «شراكة استراتيجية» بين روسيا والهند. ولكن حجم التبادل التجاري بين الجهتين لم يتجاوز 7.5 بليون دولار، في 2009. وعلى رغم إجماع روسيا والهند على مسائل دولية كثيرة، والتعاون في إطار الندوات واللقاءات الدولية، أصاب الركود العلاقات السياسية بين البلدين. وبحسب بوتين، افتقرت الهند، بعد رحيل المهاتما غاندي، الى قيادات سياسية يمكن صوغ العلاقات الروسية – الهندية على مثال ناجع. وعلى رغم أن العالم كله يرى أن الاقتصاد الهندي هو من أكبر الاقتصادات العالمية، وبلغ حجم الطبقة الوسطى في الهند ضعفي عدد سكان روسيا، بقي الكرملين العائم على الدولارات النفطية يعتبر الهند سوقاً لتصدير السلاح الروسي فحسب. والثقة بين البلدين ضعفت، اثر قضية حاملة الطائرات «ادميرال غورشكوف». فروسيا حددت كلفة إعادة تحديثها، وعادت لتطلب ثمناً أعلى من الأول. فعُلقت الصفقة الى أن تجدد الاتفاق عليها أخيراً. وكشفت الأزمة المالية العالمية إفلاس «النموذج الوسطي» للعلاقات الروسية – الهندية البائت، والمعلق بين الماضي والحاضر. وإثر فشل محاولات الهند الكثيرة في توسيع حصتها من قطاع النفط والغاز الروسي خارج مشروع «ساخالين – 1»، اضطرت الى الاستعانة بمصادر أخرى في الخارج، وحازت حصصاً نفطية في أفريقيا وأميركا اللاتينية. وتطوير العلاقات الروسية – الهندية يقتضي التخلص من عَرَض الاتحاد السوفياتي المرضي، والتوقف عن النظر الى الهند باستعلاء. وفي وسع الهنود دعم روسيا في مجال التكنولوجيات المتطورة. * صحافيتان، عن «فزغلياد» الروسية، 12/3/2010، إعداد علي ماجد