تعززت فرضية تعرض الطائرة الروسية المنكوبة في سيناء السبت الماضي لهجوم إرهابي بعدما قرر الرئيس فلاديمير بوتين، في شكل مفاجئ، وقف كل الرحلات الجوية إلى مصر بناء على توصية من أجهزة الاستخبارات الروسية. وجاء الموقف الروسي في وقت قال مسؤولون أميركيون إنهم رصدوا اتصالات بين متشددين تدعم نظرية أن قنبلة تسببت في تحطم الطائرة الروسية. وشهد منتجع شرم الشيخ «جلاء الأجانب» من دون أن يُسجل وصول رحلات سياحية بانتظار ظهور الأسباب الحقيقية التي أدت الى سقوط الطائرة بعد تفككها في الجو. وفي ظل ارتباك واضح، بدأت بريطانيا أمس جسراً جوياً لإجلاء نحو 20 ألفاً من مواطنيها العالقين في شرم الشيخ منذ قرار لندن تجميد الرحلات إلى هذا المنتجع السياحي نتيجة مخاوف أمنية. وبعدما كان البريطانيون يتوقعون تسيير 29 رحلة إجلاء يوم أمس، تم خفض عددها إلى ثمان فقط نتيجة احتجاجات الجانب المصري. إذ قال المصريون إن البريطانيين يغادرون من دون حقائبهم التي يفترض نقلها لاحقاً بطائرات شحن غير تلك التي يستقلها الركاب، وبالتالي فإن تسيير هذا العدد الكبير من رحلات الإجلاء سيعني أن الحقائب ستتكدس في المطار فوق طاقته. وشدد الكرملين أمس على أن قرار بوتين وقف الرحلات إلى مصر مرتبط بظهور نتائج التحقيقات الجارية في سقوط الطائرة الروسية التابعة لشركة «ميتروجيت» التي راح ضحيتها 224 شخصاً. وشدد الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف على أن القرار «لا يعني إقراراً بنظرية الاعتداء الإرهابي»، مشيراً إلى أن بوتين «وافق على توصية» قدمها أمس رئيس هيئة (وزارة) الأمن الفيديرالية ألكسندر بورتنيكوف بتعليق رحلات الطائرات الروسية إلى مصر في شكل موقت. وزاد أن الرئيس الروسي كلّف الحكومة اتخاذ التدابير اللازمة لضمان أمن الرعايا الروس المتواجدين حالياً في مصر وسلامتهم و «تنظيم عمليات اجلائهم» بالتعاون مع السلطات المصرية المختصة. علماً أن تعداد السياح الروس في مصر يصل حالياً إلى حوالى 45 ألف شخص. وكان بورتنيكوف برّر في اجتماع مع بوتين توصيته بالإشارة إلى أنه «طالما لم نتأكد من الأسباب الحقيقية للكارثة، فالأجدى وقف الرحلات حتى اتضاح الحقيقة». واللافت أن القرار الروسي اشتمل على وقف كل رحلات الطائرات الروسية إلى مصر بما فيها المتوجهة إلى القاهرة ولم يكتفِ بتجميد الرحلات الى المنتجعات السياحية. وأسفر القرار المفاجئ عن اطلاق تكهنات كثيرة، خصوصاً انه جاء بعد مرور يوم واحد على توجيه موسكو انتقادات لقرار بريطاني بتجميد الرحلات الجوية إلى شرم الشيخ، وإجراء بوتين محادثات هاتفية مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون، ما دفع إلى ترجيح أن تكون لندن «قدمت معلومات استخباراتية» إلى موسكو دفعتها إلى اتخاذ القرار، وفق مصدر روسي تحدثت اليه «الحياة»، خصوصاً بعد ظهور تسريبات تشير إلى أن القرار البريطاني جاء على خلفية مضمون اتصالات تمت بين أطراف ارهابية في سورية وسيناء ورصدتها أجهزة الاستخبارات البريطانية. وأصاب قرار موسكو تعليق الرحلات إلى مصر وإعادة السياح الروس منها، الأوساط السياسية والشعبية في مصر بالصدمة. ولم يصدر أي رد فعل من القاهرة بعد صدور القرار الروسي بساعات، ورفض مسؤولون معنيون في مؤسسات عدة التعليق. واكتفت وزارة الطيران المدني بتأكيد أنها لم تُبلّغ رسمياً بالقرار. وسألت «الحياة» مسؤولاً مصرياً عما إذا كانت هناك خلافات بين الجانبين المصري والروسي في لجنة التحقيقات، فرفض التأكيد أو النفي. ويمثّل القرار الروسي ضربة قاصمة لاقتصاد السياحة في مصر، إذ تستقبل مصر سنوياً ما بين 2.5 و2.8 مليون سائح. وستخسر المقاصد السياحية المصرية في حال تنفيذ هذا القرار 250 ألف حجز روسي خلال أعياد رأس السنة الميلادية. وكان لافتاً أن «رويترز» نقلت عن «مصادر استخباراتية غربية» قولها إن جواسيس بريطانيين وأميركيين التقطوا «دردشة» بين أشخاص يشتبه بأنهم متشددون وحكومة واحدة أخرى على الأقل ينبئ باحتمال أن قنبلة ربما تكون مخبأة في مخزن الأمتعة في الطائرة المنكوبة. ولم يكن واضحاً هل هذا يعني أن هناك دولة ضالعة فعلاً في تفجير الطائرة. أما وكالة «فرانس برس» فنقلت عن مصدر قريب من التحقيقات ان بيانات احد الصندوقين الأسودين للطائرة الروسية أكدت الطابع «العنيف والمفاجىء» للحادث، مشيراً إلى أن «كل شيء كان طبيعياً، طبيعياً تماماً خلال الرحلة، ثم وفي شكل مفاجىء لم يعد هناك شيء». وانطلقت أمس عملية إجلاء البريطانيين من سيناء في ظل فوضى وارتباك في مطار شرم الشيخ الدولي حيث جال السفير البريطاني في مصر جون كاسن محاولاً تهدئة مواطنيه الغاضبين. ونقلت «فرانس برس» عن كاسن في مؤتمر صحافي عقده في قاعة المغادرة: «أولويتنا أن نعيد اولئك الذين ألغيت رحلاتهم الأربعاء والخميس». وتجمع حوله حوالى 200 بريطاني صاح أحدهم بغضب «متى نعود الى بلادنا؟». وقال سائح بريطاني آخر ل «فرانس برس»: «قضينا وقتاً رائعاً في شرم الشيخ لكنه الآن يتحول إلى كابوس». وعلى غرار البريطانيين، تجمع مئات من السياح الروس في المطار عازمين على العودة إلى بلادهم. وانتظر مئات منهم بصبر في طوابير في المطار بين امتعتهم الموضوعة أمام منصات شركات طيران التشارتر الروسية التي سيّرت 13 رحلة باتجاه موسكو ومدن روسية أخرى قبل صدور قرار بوتين بتعليق الرحلات. وفي واشنطن (رويترز) قال وزير الأمن الداخلي جي جونسون إنه سيتم تعزيز أمن الرحلات الجوية المتجهة إلى الولاياتالمتحدة بما في ذلك تشديد فحص كل ما سينقل على متن الطائرات.