شعر الجميع بأن الأجواء ملبدة على رغم أن الشمس كانت ساطعة خارج نافذة فصل الصف الثانوي الثاني في هذه المدرسة الدولية في القاهرة. إلا أن وجه «ميس ماريا» كان أشبه بالبالون الموشك على الانفجار. نظر الطلاب الى بعضهم بعضاً في حيرة. فالحصة في بدايتها، ولم يمر وقت كافٍ ليبدأوا السخافات الصغيرة والحركات المعتادة في طلب الذهاب إلى الحمام، أو إرسال صاروخ ورقي إلى زميل في آخر الفصل، أو حتى انتقال عدوى السعال من طالب إلى بقية زملائه. الثواني المعدودة التي استغرقتها «ميس ماريا» في النظر إلى وجوه الطلاب مع توزيع أكبر قدر ممكن من ملامح الغيظ بدت كأنها ساعات طويلة. وأخيراً، نطقت «ميس ماريا». وليتها لم تفعل! فقد باغتهم صراخها: «لم أتصور يوماً أن صورتي أثناء الرحلة ستكون في متناول شاشات الإنترنت. وليتها كانت صورة عادية!» سكتت برهة وتطلعت إلى وجوه الطلاب الذين نادراً ما اشتركوا في شعور واحد وموقف لا يحسدون عليه. فمنهم من نظر في الأرض، ومنهم من خبأ عينيه، ومنهم من فضحته الدماء المتدفقة إلى الخدين. واستطردت وهي تنفجر باكية: «خنزيرة؟! أنا خنزيرة؟! هل حقاً ترونني هكذا؟!» وانصرفت إلى خارج الفصل الذي اعتراه وجوم مرعب لم يقطعه إلا صوت بكاء بعض الفتيات. ظن البعض ان الأمر انتهى عند هذا الحد البالغ الإحراج، لكن ما تلا كان أفظع. فقد تم جمع الطلاب في مكتب المديرة التي ركزت جهودها على تعظيم شعور الذنب لديهم وخيرتهم بين حلين: إما أن يقفوا في طابور الصباح في اليوم التالي أمام طلاب ومعلمي المدرسة وموظفيها ليعترفوا بفعلتهم ويبدوا أسفهم على ما بدر منهم، أو يتم اعتبارهم راسبين في مادة «ميس ماريا». ليس هذا فقط، بل ربطت المديرة الحلين بموافقة «ميس ماريا» عليهما. تلك قصة حقيقية شهدتها إحدى المدارس الدولية في القاهرة، منذ اقل من شهر. وأوضحت مديرة المدرسة أن الأفظع من تركيب وجه المدرسة على جسم خنزير كان في ردود الفعل التي تلت. فلم يبادر احد إلى قول كلمة تعبر عن استياء أو عدم رضا أو توبيخ، بل على العكس. صوت الجميع بأن الصورة تعجبهم، وتنافسوا في كتابة التعليقات الساخرة، التي جذبت بقية طلاب المدرسة وأصدقاءهم وآخرين، ما جعل «ميس ماريا» شخصية عامة في المجتمع الإلكتروني المدرسي. مشاكسات توسع دائرة الغش ويبدو أن المجتمع الإلكتروني مقدر له أن يلعب أدواراً متفاوتة في منظومة التعليم، ليس من خلال قيمة التعليم نفسها، وتقنيات البحث والتعلم وغيرها، وليس فقط من حيث نقل فضاء المشاغبات والمشاكسات الطالبية الكلاسيكية من أرض الواقع إلى العالم الافتراضي فقط، ولكن أيضاً لتوسيع دائرة الغش والسرقة أيضاً. فحتى وقت قريب كانت حوادث تسريب الامتحانات إلى الطلاب تتم بطريقة بشرية معروفة فيدخل ضمير أحدهم في غيبوبة موقتة يبيع أو يشتري خلالها أسئلة الامتحان. لكن حادثة أخرى شهدتها ثانوية رسمية كانت إعلاناً يؤشر الى دخول عصر السرقات الإلكترونية. مشاعر من الفخر لا تخلو من استغراب انتابت أستاذ مادة العلوم للصف الثانوي الأول بعد أن أنهى تصحيح أول ورقة لامتحان الشهر. فالمادة التي يدرسها هي شوكة في حلق الغالبية العظمى من الطلاب، وهو يعلم جيداً ان الامتحان كان صعباً، كما أن الطالب الذي انتهى لتوه من تصحيح ورقة إجابته متوسط المستوى، وإجاباته التي ضمنت له العلامة النهائية أبعد ما تكون عن الواقع التعليمي له. الورقة التالية قلبت موازين المشاعر فتبدد الفخر، ولم يتبق سوى الاستغراب. ومع بلوغه الورقة الخامسة كانت الحاجة إلى ابتلاع حبة الضغط أصبحت ماسة. نظر بعينيه إلى بقية الأوراق ليتأكد من أن الجميع أجاب على الامتحان ببراعة وعبقرية غير مسبوقة. لملم الأوراق واتجه إلى مدير المدرسة. دارت الشكوك أولاً حول تسجيل أحدهم المعلومات على آلة صغيرة أو ما شابه ثم نقلها لبقية زملائه. لكن هذا الشك لم يكن منطقياً فكيف يمرر هذا الغشاش المعلومات للجالسين في المقدمة والخلف والمنتصف في ساعة ونصف الساعة من دون أن يسمع أحد صوتاً؟! أخذ مدير المدرسة يطالب أستاذ العلوم بأن يتذكر إن كان قد نسي ورقة الامتحان على الطابعة مثلاً، أو سقطت ورقة على آلة الاستنساخ، والأستاذ يجزم بأن هذا لم يحدث، لأنه لم يطبع الامتحان إلا قبل دخول الفصل بما لا يزيد على خمس دقائق، وهي لم تكن كافية لسرقة أو تسرب ورقة، وحلها، وحفظها. قال: «لو كان الأمر كذلك لكانوا بالفعل من العباقرة، لكنهم أبعد ما يكونون من ذلك». وأضاف الأستاذ مبرهناً نظريته: «أسئلة الامتحان ظلت حبيسة كومبيوتري المحمول ولم تبارحه إلا قبل بدء الامتحان بدقائق». وهنا قرر مدير المدرسة اتباع أسلوب الترغيب والترهيب مع الطلاب وأخبرهم بأن الفرصة متاحة أمامهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وعرض عليهم أن يقوم من يرغب منهم في إرسال رسالة قصيرة له عبر المحمول من اي مركز اتصالات ضماناً لسرية هوية الراسل، على أن تتضمن الرسالة مفتاحاً يفك لغز ما حدث واسم الطالب المتورط. وأخبرهم بأن الخيار السلمي سينتهي في ساعة محددة من مساء اليوم التالي، وإن لم يحدث ذلك فالجميع مطرود لمدة أسبوع، ولن تتم إعادتهم إلا بحضور اولياء أمورهم. وقبل ساعة الصفر كان تلقى عدداً لا بأس به من الرسائل ذات مضمون واحد: «إسماعيل غافل الأستاذ أثناء وجوده خارج الفصل قبل أيام، ونقل الامتحان على فلاش ميموري، وأرسله لنا عبر البريد الإلكتروني». لا شك في ان المشاغبات المدرسية ستظل جزءاً لا يتجزأ من منظومة التعليم قبل الجامعي. ولكنها كانت حتى سنوات قليلة مضت لا تخرج عن إطار وضع مادة لاصقة على مقعد الأستاذ، أو إرسال رسائل غرام إلى الأستاذة، أو ادعاء الحاجة إلى الذهاب للحمام بغرض اللهو، أو تبادل إطلاق الصواريخ الورقية في الفصل، أو في اسوأ الحالات إفراغ إطارات سيارات الأساتذة من الهواء. لكن روح العصر طغت عليها هي أيضاً، فصارت المقالب إلكترونية أكثر إيذاء والشقاوة افتراضية أوسع انتشاراً ولا تحتاج لأكثر من «كبسة زر».