"مليونير ادخار": بنسخته الثانية يستهدف 2000 طفل لترسيخ سياسة الادخار وترشيد الإنفاق    خادم الحرمين الشريفين يتلقى رسالة خطية من رئيس جمهورية غينيا بيساو    تجمع المدينة الصحي يدشن 8 مهابط للإسعاف الجوي    ترابط الشرقية تفوز بجائزة هارفرد العالمية للأعمال عن نزل للمرضى    وزير الثقافة يتفقد مواقع أثرية ومشاريع إستراتيجية ثقافية في الأحساء    لابورت يتحدث عن ثنائيته الرائعة مع سيماكان    أمير القصيم يشهد توقيع اتفاقية تدريب وتوظيف بين جامعة سليمان الراجحي ومستشفى القصيم    فيصل بن سلطان: رؤية المملكة 2030 مهتم بخدمة اللغة العربية وكل ما يخدم انتشارها    نائب رئيس دولة الإمارات يصل إلى الرياض    الطائرة الإغاثية السعودية ال 22 تصل إلى لبنان    "كفالة" تطلق 14 برنامجاً تمويلياً و100 مليار ريال ضمانات البرنامج التمويلية    الفرصة لاتزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    الرياض تُضيّف قمة عربية وإسلامية غير عادية لمناقشة الحرب في غزة ولبنان    لمسة وفاء.. المهندس عبدالعزيز الطوب    تحالف دولي طبي من 85 دولة في مؤتمر "ميدام 24" لبحث مستجدات الأمراض الجلدية وطب التجميل    تدريب 100 مختص على أمراض التمثيل الغذائي    المملكة تستضيف المؤتمر العالمي رفيع المستوى حول مقاومة مضادات الميكروبات بمشاركة وزراء الصحة والبيئة والزراعة من مختلف دول العالم ورؤساء منظمات دولية    احتفال سنان والصائغ بزواج ريان    آل سالم إلى «الثامنة»    الأخضر يدشن تحضيراته في أستراليا    تعادل أبها والعدالة إيجابياً في دوري يلو    «مايكروسوفت»: إيقاف تطبيقات البريد والتقويم القديمة    الدوسري مهدد بالإيقاف    أحمد قاسم.. عرّاب الأغنية العدنية ومجددها    209 طلاب يتنافسون للالتحاق بالجامعات الأمريكية عبر «التميز»    القناوي: قمة الرياض العالمية للتقنية الحيوية تواكب النقلة في العلاج الجيني    السعودية واليمن.. المصير المشترك    161,189 مسافراً بيوم واحد.. رقم قياسي بمطار الملك عبدالعزيز    «الصناعات العسكرية» تنظّم مشاركة السعودية في معرض الصين الدولي للطيران    5 أسباب لسقوط أسنان المسنين    المملكة تدين الهجوم الإرهابي في بلوشستان    فلسطين تدعو لتدخل دولي عاجل لوقف الإبادة الجماعية    22.819 راكبا يستخدمون القطارات يوميا للتنقل بين المدن    مهرجان الممالك القديمة    في مشهدٍ يجسد الحراك الفني السعودي.. «فن المملكة» ينطلق في«القصر الإمبراطوري» البرازيلي    الرياض.. تتفوق على نفسها    تسلق الجبل الثاني.. رحلة نحو حياة ذات هدف    مرحلة (التعليم العام) هي مرحلة التربية مع التعليم    «جوجل» تلجأ إلى الطاقة النووية بسبب الذكاء الاصطناعي    اطلع على مشاريع المياه.. الأمير سعود بن نايف يستقبل أعضاء الشورى المعينين حديثاً    النعاس النهاري بوابة لخرف الشيخوخة    عودة ترمب.. ذكاء الجمهوريين وخيبة الديمقراطيين !    أمير الرياض يطلع على جهود الأمر بالمعروف    الزعيم صناعة اتحادية    تغير صادم لرائدة الفضاء العالقة    أمير القصيم يثمن جهود القضاء.. وينوه بجهود رجال الأمن    لصوص الطائرات !    عندما يفكر الحديد!    من الكتب إلى يوتيوب.. فيصل بن قزار نموذجا    المملكة.. ثوابت راسخة تجاه القضية الفلسطينية والجمهورية اللبنانية        أمير القصيم يكرّم وكيل رقيب الحربي    «مجلس التعاون» يدين الاعتداء الإرهابي الغادر الذي استهدف قوات التحالف في سيئون    منسج كسوة الكعبة المشرفة ضمن جناح وجهة "مسار" بمعرض سيتي سكيب العالمي المملكة العربية السعودية    الرئيس الموريتاني يزور المسجد النبوي    برعاية خالد بن سلمان.. وزارة الدفاع تنظم الملتقى الدولي الأول لضباط الصف القياديين    مراسل الأخبار    وزارة الدفاع تنظم الملتقى الدولي الأول لضباط الصف القياديين نوفمبر الجاري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«فتاة المول» تعاود فتح ملف حق الذكر في التحرّش وواجب الأنثى بالسكوت
نشر في الحياة يوم 02 - 11 - 2015

تحرّش بها وطلب منها مرافقته إلى بيته. رفضت، فصفعها على وجهها. بكت ولجأت إلى مذيعة تلفزيونية مشهورة، أملاً بأن تسترد كرامتها الممتهنة، فما كان من المذيعة إلا أن عرضت صورها الشخصية على الهواء مباشرة، محمِّلة إياها ذنب التحرش بها! وكان أن انتشرت الحكاية وتداولها الإعلام بقنواته ووسائله كلّها، وانتقلت سريعاً منه إلى الشارع المصري. فانقسم الشعب ثلاثة أقسام غير معروف حجم كلّ منها، وإن كان المؤكد أن القسم الثالث هو الأصغر والأضعف.
الأول، لام الشاب الذي ضربها لكن بحنان بالغ وتعاطف كامل، لأن الفتاة كانت ترتدي تي شيرت من دون أكمام، ما يعني أنه لا يمكن محاسبته في شكل كامل أو معاقبته وحده لأنها «مشاركة في الجريمة». والثاني، لم يذكر الشاب أصلاً بل صبّ جام غضبه وحنقه على الفتاة، «لأن البنت المحترمة لا تذهب إلى مركز تجاري وحدها، ولا ترتدي بهذه الطريقة، ولا تجاهر بما حصل لها على الملأ». أما الفريق الثالث، فيطالب بمعاقبة الشاب بغضّ النظر عن شكل الفتاة أو هويتها أو شخصيتها.
لا شك في أن الشخصية المصرية لا تزال تنضح بالكثير من المفاجآت والألعاب والألغاز. ومن كان يعتقد أن هوية مصر الليبرالية أو ثقافتها الوطنية أو شبابها المتفتح، قد عاد تلقائياً الى الواجهة بعد إسقاط نظام ثيوقراطي، فهو مخطئ. ومن كان يتخيّل أن الفتاة المصرية ستنطلق في آفاق التغيير وتساهم في متطلبات التعديل باعتبارها مواطناً كامل الأهلية، فهو مخطئ أيضاً. ومن كان يؤمن بما يشاع عن تدين الشعب الفطري واحترام الجميع للمرأة واعتبار الفتاة في الفضاء العام «أختاً» أو «ابنة»، فهو مخطئ أكثر وأكثر.
«فتاة المول» كما باتت تُعرف، فتحت بالوعات الفكر وفجرت مصارف التقييم وأجّجت ينابيع الأخلاق «الحميدة» كما لم تفعل من قبل. ولولا أجواء الانتخابات، لكانت «فتاة المول» الحديث الأوحد والهم الأكبر في أرجاء المحروسة. هيئة الأمم المتحدة للمرأة - بالتعاون مع معهد التخطيط القومي- وجدت في بحث ميداني أجرته في عام 2013، أن 99،3 في المئة من النساء اللواتي شكّلن عيّنة البحث، تعرّضن شخصياً لشكل واحد على الأقل من أشكال التحرّش. وقبلها، أشارت الدراسة الشهيرة التي أعدها المركز المصري لحقوق المرأة في عام 2008، الى أن نحو 80 في المئة من المصريات تعرّضن لتجربة التحرش الجنسي، وأن غالبية المتحرَّش بهنّ محجبات. حجاب العقل الذي أدى إلى إيمان عميق لدى قطاعات عريضة من الشباب والصبية بأن وجود الفتيات في الأماكن العامة يعني أنهن حلّ لهم لم يعد من الأمور المشكوك فيها أو القابلة للنفي. كما أن تحميل الفتاة المتحرَّش بها الذنب صار منهجاً تعتنقه الغالبية.
ولم تخرج تلك الغالبية من المعلّقين في المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي حول خبر «فتاة المول» وتعرّضها للإهانة والتهديد من المذيعة التلفزيونية المثيرة للجدل، عن إطار تحميل الفتاة الذنب لكن في درجات متفاوتة. أحدهم كتب: «فتاة التحرش في المول يجب أن تأخذ حقها من الشاب السافل الذي ضربها وعاكسها، لكن فى الوقت نفسه يجب أن نتّفق على أن الفتاة التى ظهرت فى البرامج بمظهر المسكينة الشريفة العفيفة المغلوب على أمرها، ليست بالفتاة البتول الملاك الطاهر البريء، لأنه واضح من مظهرها ومن الصور المأخوذة لها، أنها فتاة لعوب جريئة مجربة منفتحة لها علاقات وتتعاطى الخمور، وأن ما حدث لها هو انتقام من الله لعلّها تتوب وتعود إلى الله احتراماً لدينها ولنفسها ولأسرتها».
«الأسرة التي تترك ابنتها تذهب إلى المول وحدها وترتدي تي شيرت كات (من دون أكمام) و(بنطلون) جينز ضيّق، لا يعنيها شرفها أو سمعتها. على رغم أن الصفعة كانت قوية، لكنها تستحقها»، غردت فتاة تسمّي نفسها «حبيبي يا رسول الله» على «تويتر»، ليرد عليها أحدهم: «تستحقها (الصفعة) نعم، لكن أيضاً الشاب مخطئ لأنه دعاها إلى شقته ليمارس علاقة محرّمة. لكنها تبقى المذنبة الأولى والأخيرة». ويدوّن شاب جامعي معبراً عن رأيه: «ما حدث من تشهير بالفتاة حتى لو كانت تعمل في مهنة حرام أو لها علاقات متعددة، لا يصح. الصحيح هو أن تحلّ مشكلاتها بعيداً من الجهر بها، لأنها بذلك أيضاً أضرّت بالشاب الذي صفعها وربما يكون قد فقد أعصابه لسبب ما لا نعرفه وربنا أمر بالستر». وكما أمر ربنا بالستر، أمر كذلك بالأخلاق والتربية والضمير، قائمة طويلة من الأوامر التي قلّما تلفت انتباه كثر. هوس المجتمع بدفن الأنثى في هوة الجنس والحرام والابتذال، مع ربط المظهر بحرية الشاب في التصرف مع الفتاة كما يشاء، بحكم كونه مسلوب الإرادة منزوع العزيمة خالياً من القدرة على السيطرة على غرائزه (وهذا بالطبع لا يعيبه بحكم كونه ذكراً)، أسلوب حياة في مصر القرن الحادي والعشرين.
منع طالبات يرتدين بنطلونات ضيّقة من دخول الحرم الجامعي، إضافة إلى الشورتات للذكور والشباشب للجنسين، أشعل دوائر الحوارات الشبابية التي طغت عليها نغمة التأييد الكلي لرفض ملابس الفتيات الضيقة، مع الاعتراض الجزئي على شورت الطلاب وتراوح المواقف حول الشباشب. أحد أساتذة كلية الطب جامعة عين شمس – فضّل عدم ذكر اسمه - قال: «الظريف في الموضوع، أن قضايا العلم وتدهور التعليم وانحدار أخلاق الطلاب وانصراف الأساتذة عن مهمتهم الرئيسية، لا تشغل بالهم كما فعلت بنطلونات البنات وشورتات الأولاد».
ويستطرد قائلاً: «هذه السجالات تشبه كثيراً سجالات التحرش بالفتيات، سواء كانت فتاة المول أو غيرها من ملايين الفتيات والسيدات. الجميع يغرق في تفاصيل فرعية، والغالبية ترفع راية الأخلاق الحميدة من بوابة مظهر البنت، لكنّ أحداً لا يتحدث عن البنت ذات المظهر المتحفظ والأخلاق المتدنية، أو تربية الذكور على احترام الفتيات بغض النظر عما يرتدينه، أو شغل وقت الفراغ بما يفيد بدلاً من التجول في المراكز التجارية، والوقوف على النواصي، والتحقّق من مقدار ضيق البنطلون أو اتساعه».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.