كانت القدس هذا الأسبوع هي الموضوع المركزي الذي أبرزه المسؤولون في السعودية عبر الخطاب السياسي الرسمي والشعبي. ففي كلمته أمام مجلس الشورى، حرص الملك عبدالله بن عبدالعزيز، على التذكير بدعم القضية الفلسطينية على مسارين متوازيين يهدفان الى إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف وتوفير المساعدة المادية لإعادة إعمار غزة. وحول تاريخ القدس وفلسطين، افتتح الأمير سلمان بن عبدالعزيز، أمير الرياض، المعرض الذي نظمه مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بحضور رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان. ويهدف المعرض الى إبراز المعالم الحضارية والدينية والتاريخية لمدينة القدس في محاولة للتنبيه الى الممارسات التي تحاول طمس هوية القدس وفلسطين معاً. أي الممارسات التي وصفها روجيه غارودي بأنها مشروع لتسييس الدين، ومنحه امتيازاً مقدساً لتحقيق الصهيونية ولو بالقوة والعنف. وهذا ما اكتشفه أردوغان من خلال وساطته بين سورية وإسرائيل، الأمر الذي زاده اقتناعاً بأن دولة اليهود ترفض التنازل عن الأراضي المحتلة. وبدلاً من إظهار بعض الاحترام لإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، اختار بنيامين نتانياهو موعد زيارة جو بايدن ليعلن موافقته على بناء 1600 وحدة استيطانية جديدة في القدسالشرقية. وكان بهذا الإعلان يريد إقناع المفاوض بأن الاستقواء بواشنطن لن يعيقه عن توسيع المستوطنات، وبأن موقف أوباما المعارض لاستخدام القوة العسكرية ضد إيران لم يمنع نائبه بايدن من تجديد التزام بلاده الدفاع عن إسرائيل في وجه أي خطر حربي من أي طرف كان. وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، أبلغ صحيفة «هآرتس» أن واشنطن رفضت طلباً للحصول على عتاد عسكري هجومي من شأنه تحسين قدرات الطيران الإسرائيلي الحربي ضد المواقع النووية الإيرانية. وقال للجريدة إن إدارة أوباما أبلغته أنها لن تسمح للطيران الإسرائيلي باستخدام المجال الجوي العراقي للوصول الى إيران. لذلك تقرر أن يكون لجو بايدن مهمة مركزية واحدة تتمثل بتهدئة القيادة الإسرائيلية، والتأكد من أنها لا تخطط لنسف جهود إدارة أوباما من طريق مهاجمة المواقع النووية الإيرانية. وبسبب القلق الأميركي من هجوم إسرائيلي مفاجئ، أرسلت واشنطن الى تل أبيب ثلاثة وفود عسكرية يتقدمها وفد رئيس الأركان الأميرال مايكل مولن، صديق رئيس الأركان الإسرائيلي غابي اشكنازي. كما عملت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بالتنسيق مع المبعوث جورج ميتشيل، على صوغ مبادرة لا تحرج الفريقين. والسبب أن الرئيس أوباما في بداية ولايته، اشترط على إسرائيل تجميد بناء المستوطنات مقابل استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين. وكان من نتيجة تشبث رئيس السلطة محمود عباس بهذا التعهد، أن أضاع ميتشيل سنة كاملة تقريباً، على جولات مكوكية لم تحقق الغرض المطلوب. وبعد مضي أشهر عدة من المراوحة، اقترح ميتشيل اختراق جدار الجمود «بمحادثات تقارب». ومعنى الأمر أن يتقرر مكان معين يتواجد فيه الوفدان، بينما يقوم المبعوث الأميركي بنقل الرسائل بينهما. والهدف من هذا الإخراج المعقد عدم اضطرار نتانياهو الى وقف الاستيطان، وإعطاء أبو مازن فرصة أخرى لتحريك المفاوضات. في البداية، تلقى الرئيس عباس الضوء الأخضر من «فتح»، ثم قام بجولة عربية أملاً في الحصول على دعم الزعماء المعنيين. وقد شجعه عدد من وزراء الخارجية العرب، ما عدا ثلاثة تحفظوا عن محادثات غامضة عجزت واشنطن عن تحويلها الى مفاوضات مباشرة. ومن أجل إحراج أبو مازن، ودفعه الى الإحجام عن القبول بمحادثات غير مباشرة، أعلنت إسرائيل أنها لن توقف مشروع بناء المستوطنات في القدسالشرقية. الإهانة التي تلقاها نائب الرئيس الأميركي، كادت تصدع الحكومة الائتلافية الإسرائيلية، لولا تدخل نتانياهو الذي أجبر وزير الداخلية إيلي يشاي، على إصدار بيان الاعتذار والتراجع. وفيه يؤكد أن توقيت صدور الإعلان عن المستوطنات ليس مرتبطاً بزيارة جو بايدن. ويبدو أن نتانياهو أعرب عن سخطه من تفجير الأزمة مع الولاياتالمتحدة، خصوصاً عندما بلغه أن المسؤول الأميركي هدد بالعودة الى بلاده وإلغاء الزيارة. وظل هذا الاحتمال قائماً لولا تدخل دنيس روس، ولكن هذا لم يمنع بايدن من التأخر ثلاث ساعات على حفلة عشاء أقامها رئيس الوزراء على شرفه. كما لم يمنعه من الإعراب عن استيائه وغضبه عن طريق إصدار بيان التنديد بالقرار الإسرائيلي. أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى أجرى اتصالات مع رئاسة القمة العربية، قادته الى الاستنتاج بأن اعتذار نتانياهو لا يبرر لمحمود عباس مشاركته في مفاوضات غير مجدية. ذلك أن الاعتذار كان شكلياً ولم يكن جوهرياً، بحيث أنه جدد دعمه لقرار وزير الداخلية حول استئناف مشروع بناء المستوطنات فور عودة بايدن الى واشنطن. وبسب هذا الاعتبار قررت الجامعة العربية سحب التفويض السابق من محمود عباس، وإحالة الموضوع الى القمة العربية التي ستعقد في ليبيا آخر هذا الشهر. سورية اعترضت على تكليف أبو مازن إجراء مفاوضات مباشرة وغير مباشرة، من دون الحصول على مرجعية القمة العربية. واعتبر وزير خارجيتها وليد المعلم، أن القمة العربية السابقة أوكلت للجنة مبادرة السلام العربية عملية التسويق، الأمر الذي يخالف مبدأ التفرد بقضية تخص كل العرب. ولكن الجمود على المسار الفلسطيني لم يمنع وزير خارجية تركيا أحمد داود أوغلو، من الإعراب عن رغبته في تحريك قضية الجولان لاقتناعه بأن المناخ السياسي في المنطقة جاهز لإحياء مبادرة السلام مع سورية. وكان الرئيس الفرنسي ساركوزي قد تبرع لإحياء هذا المسار المجمد خلال لقائه الأخير مع الرئيس بشار الأسد. ولكنه لم يجد لديه التشجيع المطلوب لأن ممارسات الحكومة الإسرائيلية لا توحي بالاطمئنان الى نياتها المبيتة. ولهذا أبلغت سورية ساركوزي بأن أنقرة مهتمة بتحريك هذه المسألة. قبل أكثر من اسبوعين تقريباً وزعت الأممالمتحدة تقريراً يشير الى انتقال 300 ألف عائلة سورية من المناطق الشرقية الى المدن بسبب الجفاف وانخفاض منسوب المياه التي تتغذى من مياه الفرات. ويذكر التقرير أن المزروعات التي تستهلك كميات ضخمة من المياه كالقمح والقطن، قد تأثرت بسبب الجفاف الشديد. ويبدو أن العراق أيضاً يشترك مع سورية في المعاناة من نتائج انخفاض نسبة المياه في دجلة والفرات. لهذه الأسباب وسواها كتبت صحيفة «يديعوت احرونوت» مطلع هذا الشهر، افتتاحية حملت فيها على تركيا لأنها تريد حل قضية الجولان، واستعادة مياه بحيرة طبريا لنقلها بالأنابيب الى شرقي سورية. كذلك حذرت الصحيفة من احتمال انتقال مليون مواطن سوري الى مرتفعات الجولان، الأمر الذي يعرض شمال إسرائيل لخطر المقاومة. ومن المؤكد أن هذه المزاعم الملفقة سيستغلها وزير الخارجية ليبرلمان، لتجديد رفضه التفاوض على مستقبل الجولان المحتل. بعد إقفال كل أبواب التسوية أمام سورية ولبنان والفلسطينيين، يصبح الصدام المسلح أمراً حتمياً ومنطقياً. ومع أن توازن القوى لا يعمل لمصلحة الدول العربية، إلا أن هنري كيسنجر لا يتعب من تذكير إسرائيل بأن العرب لا يعتمدون معايير التوازن العسكري إذا شعروا بأن كل الطرق ستقودهم الى الفناء واستمرار الاحتلال. وهذا ما يسقط نظرية الرئيس شمعون بيريز، بأن الحرب مستبعدة في الربيع والصيف المقبلين. المعلق روجر كوهين كتب في «نيويورك تايمز» مقالة ادعى فيها بأن العقوبات التي تهيئ لها إدارة أوباما مع دول صديقة لا يضمها مجلس الأمن، مثل كندا وأستراليا وأميركا الجنوبية. هي دول تسمح لضغوط التجارية بأن تؤثر على موقف إيران. ناهيك عن العمل الدؤوب مع روسيا والصين على أمل أن تقتنع الدولتان الكبيرتان في مجلس الأمن بالضمانات النفطية التي وفرتها الولاياتالمتحدة من دول خليجية. هذا كله من أجل توسيع العقوبات على إيران، وإعطاء القناة الديبلوماسية مزيداً من الوقت لاستنباط صيغة حل وسط يسمح للأسرة الدولية باستكمال عملية تخصيب اليورانيوم خارج الحدود الإيرانية. وبسبب الاستعدادات العسكرية التي تقوم بها سورية حالياً، بدءاً بتوزيع الجنود على ثكنات متباعدة... وانتهاء بتحريك قواعد الصواريخ، ألغت إسرائيل المناورة الأخيرة وجمدت قرار استدعاء وحدات نظامية، خشية اندلاع حرب خاطفة يشعلها صاحب نظرية الضربة الاستباقية. وقد يكون من مصلحة إيران إشعال حرب بالواسطة – كما فعلت صيف 2006 – إذا تأكدت أن إسرائيل ستغامر بتدمير بعض مفاعلاتها النووية ولو أدى ذلك الى إغضاب إدارة أوباما. أو إذا ما شعر النظام في إيران بأن العقوبات ستضعف سلطته الداخلية وتفتح ضده جبهة المعارضة. في مطلق الأحوال، يصعب على سورية الوقوف في صفوف المساندة أو المراقبة، إذا ما انفجرت حرب لبنان، لأن إسرائيل تريد تصفية حساباتها مع «حزب الله» من جهة... ومع الدولة اللبنانية التي تبنت طروحات الحزب من جهة اخرى. كما أن الصواريخ الإيرانية المصوبة نحو المدن الإسرائيلية – ونحو مفاعل ديمونا بالذات – لن تبقى صامتة إزاء حرب تكون هي فيها المحور الأساسي والهدف الأول. وعليه يرى المراقبون، أن حرباً مدمرة بهذا المقياس، لن تحدث بسبب خوف الدول المعنية من فقدان مصالحها الحيوية تحت الأعمدة الشمشونية الممثلة بآلاف الصواريخ المنتشرة من إيران حتى لبنان! * كاتب وصحافي لبناني