بعدما هدأت ردود الأفعال الغاضبة على «قتل» طبيب الأسنان الأميركي والتر بالمر الأسد «سيسيل» في زيمبابوي، راح فريق العمل الخاص بالبرنامج التلفزيوني «مراسلون دوليون» يعمل على الإعداد لحلقة تتجاوز الطابع الإخباري إلى التحليلي لكون عملية صيد الحيوانات البرية، وعلى نطاق واسع، صارت ظاهرة شديدة الصلة بحياتنا المعاصرة وبمستقبل كوكبنا. بحثها إذا ليس ترفاً، كما يحلو لبعضهم توصيفه، بل يعكس في حقيقته مأزقاً أخلاقياً لا بدّ من معالجته في شكل موضوعي. توجّه فريق العمل إلى ثلاث مناطق في العالم ليعطي صورة أشمل لظاهرة الصيد وسلوكياته وكيف يختلف البشر في فهمه والنظر إليه. إلى جنوب أفريقيا، يأتي الصيادون من كل أنحاء العالم تقريباً. يأتون للتمتع ب «قتل» الحيوانات الضخمة والنادرة، مُشبعين بقناعة أن ما يقومون به هو فعل غريزي وطبيعي عند كل البشر، وهذا ما فلسفه صاحب المزرعة الخاصة في منطقة «كيمبري»، راندي ويستراد، الذي خصص مساحات كبيرة من أرضه لتربية الحيوانات الأفريقية الكبيرة مثل الأسود والنمور وغيرها. يقابل المراسلون في البلاد نفسها رجلاً يقوم بدوره في تربية الحيوانات البرية وحمايتها، بفارق أنه لا يُعَرضها لعملية «القتل» كما يوصفها. «الكلام عن الجانب الغريزي هراء وفعل القنص قابل للترويض والتشذيب. فالرجل البدائي الأول كان يهاجم النساء وينقلهن إلى الكهوف لاغتصابهن. هذا الفعل لم يعد مقبولاً بين البشر المتحضرين، والأمر ينطبق كذلك على صيد الحيوانات لإشباع غريزة حب «القتل» عند بعض الناس». يذهب البرنامج الوثائقي إلى جزيرة «غرينلاند» في القطب الشمالي، للتعرف إلى موقف سكانها من عمليات صيد الأسماك والفقمة. خلال مرافقتهم رجلاً من أهلها كان يقوم برحلة صيد، سمع معدو البرنامج منه كلاماً واضحاً حدد به طبيعة العلاقة بين الإنسان وبين ما يصطاده من أسماك وحيوانات بحرية. وبسبب عدم إمكان زراعة أي محصول نباتي على أراضيهم المتجمدة، هم يعتمدون في عيشهم بالكامل على الصيد، وبالتالي فهم يحرصون على عدم هدر المخزون الطبيعي من الثروة السمكية. يحترمون قواعد اللعبة ولا يتجاوزونها، حتى في أصعب الظروف التي يمرون فيها. وقدم الرجل مثالاً حياً عليها: «بعد تجريم دول الوحدة الأوروبية عمليات بيع جلود الفقمة. وعلى رغم استثنائنا منها، فقد حافظنا على سلوكنا الموروث من الأجداد، أي الاكتفاء بحاجتنا من الصيد، فلا نصصاد أبداً لأغراض اللهو وإشباع الرغبات الشخصية». بدلاً من التلاعب والتحايل على القوانين التي حرمتهم من بيع نسبة من جلود فقماتهم، بدأ سكان الجزيرة الأكبر في العالم العمل في وظائف مدنية أخرى، في حين ظل فعل الصيد مستمراً عندهم بوصفه ليس وسيلة لتأمين عيشهم فحسب، بل أيضاً كنشاط بشري يزيد من انسجامهم مع الطبيعة المحيطة. العينة الأميركية المتمثلة بالنباتي توفور سيرولي غير مألوفة، لكنها وعلى رغم محدوديتها تعكس مزاجاً عاماً ينحو باتجاه ترك أكل اللحوم على أنواعها والاعتماد على مصادر الأرض من خضروات وفواكه في تغذيتنا اليومية. كرّس سيرولي حياته لنشر ثقافة ال «النباتية» وتطبيقها على نفسه، فهو لا يأكل وعائلته سوى ما تجود به حديقته المنزلية. بحكم عمله كباحث في البيئة يقدر شدة الاختلاف بين الاستثمار الزراعي البسيط وبين الإنتاج التجاري الواسع الذي أخل بالبيئة وسبب مشكلات تهدد كوكبنا بمخاطر جدية. الانعطاف الحاد في سلوكه وموقفه هو من أغوى صناع الوثائقي التلفزيوني بالوصول إليه. فبعد سنوات طويلة من اعتماده على الغذاء النباتي الكامل، تدهورت حالته الصحية ونصحه الأطباء بتناول كميات قليلة من اللحوم لتعويض النقص الحاد في «أوميغا 3» و «بي 12» في جسمه. خضع لأوامر الطبيب، لكنه اتجه إلى الصيد الشخصي لإيمانه بقوة هذا الفعل في مواجهة الإنتاج الحيواني التجاري المضر بالإنسان والطبيعة. يرافق البرنامج الرجل في رحلات صيده وحرصه على تأمين ما يحتاجه من لحوم برية تحافظ على صحته، كما تفعل بقية الصيادين في العالم ومن بينهم طبيب الأسنان الأميركي الذي أيقظ بقتله للأسد «سيسيل» ضمير العالم ودفعه للاحتجاح على فعل القتل الهمجي.