يشكل معرض الرياض الدولي للكتاب عنواناً كبيراً في اهتمامات شريحة كبيرة من المجتمع السعودي المعني بالثقافة والكتب على اختلاف أنواعها. يدخل في هذا الاهتمام ظمأ هذه الشريحة إلى اعتبار المعرض بديلاً مهماً لعادته الروتينية في قضاء وقت فراغه في أماكن ترفيهية محدودة لا تعده بالكثير. ومن المعروف أن ساعة الفرد السعودي تضبط آخر النهار على الأوقات المسائية في أمور تسوّقه وتنزهه خلال أيام الأسبوع، كما تضبط أول النهار على أوقات الدوام في العمل والجامعة وغيرهما، وهو في هذا الجانب لا يختلف عن غيره، ولكن خياراته في ما يتعلق بشؤون آخر النهار محدودة للغاية، يضاف إلى ذلك عودته إلى المنزل وقد استنفدت الأسواق، وبعض المتنزهات، الكثير من محفظته الاستهلاكية. ولا يختلف معرض الكتاب من هذه الناحية، لكنه من ناحية أخرى يأتي بصفته سوقاً للكتب، وهو الأمر الذي لا يحدث إلا كل عشرة أيام في السنة، ومعظم الكتب التي تعرض فيه لا تتوافر في شكل دائم ومتجدد في المكتبات المحلية. ولأنه ينظر إلى هذه المناسبة وعينه على قصر الزمن المحدد للمعرض من جهة، ومن جهة أخرى على محصلته الجديدة من هذه الكتب التي يعلم أن بعضها إنما سمح له في شكل استثنائي بالدخول الموقت للسوق السعودية، فإنه يُقبل على الشراء بحفيظة مالية مفتوحة، وفي معظم الأحيان من دون أن يسأل عن قائمة الأسعار التي حددتها الجهة المكلفة بتسعير الكتب. غير أن بعض دور النشر بحكم خبرتها في التعامل مع المشتري السعودي، تضع قائمة أسعار موازية أعلى من المتفق عليه في القائمة الرسمية، وتعلن شفاهياً للمشترين، كل على حدة، فيما توضع القائمة الرسمية على الطرف باعتبارها القائمة التي تعرض فقط على مراقبي الأسعار الرسميين. لذلك يفاجأ المشتري بنفاد نقوده في منتصف جولته، وفي هذه الحالة يتعين عليه مغادرة المعرض لأنه أصبح في عداد الزوار المفلسين، الأمر الذي يضعه في فئة زائر للمرة الثانية، والثالثة، وربما الرابعة، بموازنة جديدة في كل مرة، فالمعرض لا توجد فيه أجهزة صرف توفر عليه المشوار والوقت، والتعامل بالبطاقة الائتمانية غير معتمد في نظام البيع نظراً إلى انعدام استخدام تقنيتها في تجهيزات المعرض من الأساس. أما الذي يرصد لجولته موازنة كبيرة يسمح بها دخله، فإنه يخرج بمحصلته من الكتب وقد أهدر من أجلها الكثير من المال، في حين لو ذهب بهذا المال إلى عاصمة عربية مثل بيروت أو دمشق أو القاهرة، واشترى من مكتباتها أضعاف ما حصل عليه من معرض الرياض، لكفاه ولزاد منه ما يكفيه للمقاهي والتنزه. الشراهة الواضحة في استنفاد محفظة المشتري السعودي من بعض دور النشر، والإفراط الذي يصل إلى الغفلة في دفع المال من جهة المشتري السعودي، يؤكدان أمرين اثنين يكمل أحدهما الآخر، جشع البائع الذي لم يجد من يحاسبه على هذا التجاوز، وافتقار المشتري إلى ثقافة الالتزام بنظام الأسعار الرسمي. غير أن هذين الأمرين يختلفان كل الاختلاف على مستوى النتائج، ففي حين يعود الناشر بهامش ربحي كبير مضاف إلى القيمة الأساسية للكتاب، يعود المشتري السعودي بمحفظة خاوية على عروشها في معظم الأحيان، وبمعيته كتب كثيرة لا يدري متى يقرأها. وفي هذه الحال، يتحول الغرض من شراء الكتب، وهو قراءتها، إلى استملاك سلعة مثلها مثل السلع التجارية التي تعج بها الأسواق، وينطبق عليها المفهوم الاستهلاكي الشائع. غير أن هذه الكتب، وإن اختلفت محتوياتها ومضامينها عن السلع التجارية، تظل في حيز المقتنيات المعطلة أو المؤجلة إلا نادراً، وبالتالي تندرج ضمن الإمكانات المهدرة في جوانب أخرى تخص العمل الثقافي. على سبيل المثال، تخلو السوق المحلية من دار نشر كبيرة منافسة لمثيلاتها في الأسواق العربية، والمراقب لدور النشر المحلية الراهنة يلحظ إمكاناتها الضعيفة في تسويق الكتاب، ويلحظ أيضاً حاجتها للدعم المادي الذي يفوق قدرات ملاكها على توفيره لتنهض بدورها المفترض منها، كما لابد أنه سيرى في معرض الكتاب المساحات الصغيرة التي منحت لها، في وجود دور نشر عربية قوية ومؤثرة في تحديد خيارات المشتري المحلي على رغم مبالغتها في الأسعار. غياب الإعلان والدعاية لهذه الدور، على الأقل في المساحة الإعلامية المحلية، يعد أيضاً من العوامل التي كان يفترض أن تفعّل بقوة لجذب الجمهور إليها، كما أن العناوين التي تصدرها هذه الدور المحلية غالباً ما تأتي من باب اضطرار مؤلفيها إلى النشر الداخلي ليأس بعضهم من صدقية وأمانة بعض دور النشر العربية التي تتعامل مع الكتاب المحلي كمصدر رزق وليس كمصدر أدبي. هناك أيضاً، الوضع المزري للأجنحة التي تعرض فيها الأندية الأدبية كتبها، فالمساحات صغيرة ومرمية في طرف المعرض، وطريقة ترتيبها مجتمعة تشبه المحال الشعبية الصغيرة في وسط البلد.