«دارت الأرض للمرة الثالثة، ولا تزال مرارة الدم تتخلل الهواء في بيوت السوريين، ولا يزال الظلم يمسك أعناقنا بيد جديدة كل مرة، وكأن الحرية حرام علينا والقتل حلال عليهم». بهذه الكلمات افتتحت «احتفالية الشارع السوري» بيان دورتها الثالثة التي تنتهي اليوم، في إشارة واضحة الى حجم الموت والدمار والخطر الذي يواجهه السوريون في ثورتهم المستمرة. وتؤكد الاحتفالية في فقرة تالية أن «الفن يهزم القمع، لذلك لا بد من الاحتفال بالثورة التي واجهت الدكتاتورية العسكرية، وتواجه اليوم التطرف الديني». خلال دورتيها السابقتين، امتدت «الاحتفالية» التي تنظمها مؤسسة الشارع للإعلام والتنمية، إلى مناطق كثيرة في الداخل السوري، لكنها هذا العام تنحسر جغرافياً لتنطلق وتنظم فعالياتها في بلدة كفرنبل التي باتت واحدة من أشهر العلامات الفارقة في ثورة السوريين. العنف الشديد الذي يمارسه النظام من خلال عمليات القصف المدمرة إضافة إلى وجود كتائب متشددة في الشمال السوري، جعل «الاحتفالية» تنحسر في بلدة كفرنبل في هذا العام. وهنا يقول مدير مؤسسة الشارع الصحافي السوري عامر مطر من مكان إقامته في الداخل السوري ل «الحياة»: «تنظيم داعش حالياً خارج المدينة، والنظام غير موجود إلا في السماء من خلال الطيران، وهذا ما يعطينا حرية العمل في مكان محرر من أعداء الحرية. وكفرنبل مكان استثنائي في علاقتها مع الثورة، وفي تعامل الناس مع التظاهرات واللافتات، رغم الرعب الهائل الذي يسببه الإعلام والتظاهرات خوفاً من الانتقام والبراميل التي تلقيها الطائرات». الفضاء الصغير الذي تتيحه مدينة كفرنبل سمح للاحتفالية بالاستمرار هذا العام، لتقدم في يوم الافتتاح عملاً تركيبياً في الهواء الطلق بعنوان «برزخ» للفنانة التشكيلية السورية هبة الأنصاري، وهو أول معرض يقام في المناطق السورية المحررة من النظام والكتائب المتشددة. كذلك تقدم الاحتفالية ثلاثة عروض في الهواء الطلق لمجموعة من الأفلام الوثائقية التي تعرض لمواضيع وقضايا عرفها السوريون في السنوات الثلاث الماضية، منها «أكره الأسود» وهو فيلم قصير عن عالم تكرير النفط بطرق بدائية في المناطق السورية، لكل من عبد الله الحكواتي ومحمد نور مطر، وفيلم شوارعنا احتفال الحرية للشهيد باسل شحادة. ضمن ظروف الحرب الصعبة، يبدو أن فريق عمل مؤسسة الشارع والاحتفالية لم ينج من الضربات التي حلت بالسوريين وعن هذا يقول مطر: «عدنا مجدداً كأبناء مناطق محتلة لكن هذه المرة من داعش، بعد تحرير الجزء الأكبر من شمال سورية، كانت حركتنا سهلة داخل قرى الشمال ومدنه، اليوم ضاق المكان واضطر بعض العاملين والمتعاونين معنا للخروج إلى تركيا وآخرون نزحوا لمناطق خارج سيطرة داعش. أما الشهداء والمعتقلون فهذا يشبه كل بيت سوري بحجم الخسارة، نتمنى أن تكون الخسارات المقبلة أقل. يؤلمني غياب محمد نور مطر في هذا العام، وهو كان فاعلاً في احتفالية العام الماضي، كما يحزنني غياب بعض الأصدقاء الذين سرقهم النظام». يذكر أن الناشط محمد نور مطر اختفى منذ آب (أغسطس) 2013 بعد انفجار سيارة مفخخة في مدينة الرقة ولا يزال مصيره مجهولاً. وضمن فعاليات الاحتفالية في مدينة كفرنبل في الشمال السوري تأتي «حملة الحرية لا بد منها» التي تتضمن حملة رسم على الجدران لأعمال غرافيتي تشدد على الحرية كجوهر للثورة بخاصة من خلال عبارة «لا إكراه في الدين». وتتعاون في هذه الحملة مؤسسة الشارع مع مجموعة «عيش» التي تتكون من نشطاء داخل كفرنبل. وهنا يتابع مطر حديثه: «في كل فعالية نتشارك مع مؤسسات محلية لتساعدنا في المنطقة التي نعمل فيها. هذا العام نتشارك مع اتحاد المكاتب الثورية في كفرنبل لإنجاز الاحتفالية، وهي الجهة الفاعلة التي تعد اللافتات، فتوفر لنا مجموعات العمل وأماكن الإقامة والتحرك، وبشكل أساسي نتشارك الأفكار والأعمال».