تعتبر العملية التحريرية جزءاً رئيسيّاً من عمل مؤسّسة «الديموقراطية الآن» Democracy Now، وهي محطة إذاعيّة يسندها موقع إلكتروني، تملك ميولاً يساريّة، وتلاقي رعاية من شبكة «باسيفيكا» الإذاعيّة في الولاياتالمتحدة. وحقّقت رئيسة المؤسّسة إيمي غودمان وزملاؤها، قفزات فنيّة وابتكارات في الإعلام الجديد، عبر إنتاجهم موادَّ إعلاميّة ذات تأثير حقيقي. وفي مثال معروف، تعرّضت غودمان للضرب على أيدي عناصر أمنيّة تابعة للحكومة الأندونيسية، بل رُحّلَت من جُزر «تيمور الشرقيّة» أثناء تغطيتها نضال التيموريين من أجل الاستقلال. وصُنّفت تغطية غودمان باعتبارها «الأفضل» بين التغطيّات الصحافية للصراع في جزر «تيمور الشرقيّة». ولم يكن إخراج المادة الصحافية من أندونيسيا أمراً سهلاً. ففي مرحلة ما، استعانت غودمان بركّاب عاديين يستقلوّن طائرات متّجهة إلى أستراليا، وأعطتهم أسطوانات مدمجة «سي دي» تتضمن أشرطة فيديو مضغوطة. وبعدها، عمد مالك مقهى إنترنت أسترالي إلى إرسال مجموعات أخرى من أشرطة الفيديو، إلى مقر «الديموقراطية الآن» في نيويورك. ما زالت هذه المؤسّسة تعتمد على الأشكال التقليدية للاتصال، لكنها في الطريق لأن تصبح «حدوداً مشتركة بين عوالم شبكة ال «ويب» والإعلام العام التقليدي»، وُفق كلمات غودمان. الجمهور مؤلّفاً ومُحرّراً ثمة تجربة أخرى مهمة، تعتمد على مفهوم شبكي صرف. فعلى الإنترنت، يشيع مفهوم «ويكي» Wiki وصفاً لعملية جمع بيانات إلكترونية لها صبغة ديموقراطية عميقة. وفي شباط (فبراير) 2004 نشر موقع «ويكيبيديا» Wikipedia، وهو مُكرّس لموسوعة رقميّة مفتوحة ومجانيّة تعتمد على مساهمات مباشرة من الجمهور في محتوياتها، مقالها ال 500 ألف، وكان من تأليف الجمهور. وحاضراً، تملك الموسوعة ما يزيد على مليون مقالٍ باللغة الإنكليزية وحدها. تعتبر موسوعة «ويكيبيديا» أحد أكثر التطوّرات سحراً في العصر الرقمي. وفلم تكد تبلغ عامها الثالث، حتى أضحت مصدراً قيّماً، إضافة لكونها نموذجاً للكيفية التي يمكن بها للقاعدة الشعبية في عالم الإنترنت المترابط، أن تنجِز أشياء غير عاديّة. من المستطاع اعتبار «ويكبيديا» نموذجاً للإعلام المستند إلى المشاركة. وبمقدار ما تمثّل امتداداً طبيعيّاً لظاهرة الإنترنت، فإنها تمثّل نموذجاً عن شيء يستحيل صنعه عبر أساليب الإعلام التقليدية. تتحدى «ويكيبيديا» مجموعة كبيرة من الافتراضات الشائعة، بالأحرى البداهات التي كانت راسخة قبل عصر الإنترنت. وعلى رغم كل شيء، يمكن للمرء أن يتصوّر المرء أنه إذا استطاع الإنسان كتابة شيء ما على شبكة ال «ويب»، فلربما تعرّض للتدمير على أيدي مخرّبين إلكترونيّين باتت الإنترنت تغص بهم. ولا شك في أن الحروب الملتهبة حول محتوى المقالات، بمعنى الصراعات التي لا تنتهي على المُلكيّة الفكريّة للنصوص، كفيلة بأن تحبط حتى أكثر النيّات إخلاصاً. وثمة من يفكر بأشياء «بديهيّة» من نوع أن المقالات التي يكتبها هواة هي هراء خالص! ولكن الطبيعة المفتوحة لموقع «ويكيبيديا» برهنت على أنها أعظم مواردها على الإطلاق، بل برزت كمصدر لسيول من المواد التي تتمتّع بالصدقيّة. وبصورة عامة، تميل مقالات موسوعة «ويكيبيديا» إلى استخدام نبرة محايدة. وعندما يكون الموضوع مثيراً للجدل، تشرح وجهات النظر المختلفة، إضافة إلى مجموعة من الحقائق الأساسيّة. وعندما يكون بوسع أي شخص تعديل ما كُتِبَ توّاً على الموقع، تصبح هذه النزاهة أمراً جوهريّاً. ويستمد موقع «ويكيبيديا» القوة من متطوعيّن يتعاملون معه، وهم يرصدون مواده، ويعملون على مكافحة أفعال التخريب الإلكتروني. وعندما يعلم المخرّبون أن شخصاً ما يصلح التلف في غضون دقائق معدودات، ويحول ذلك دون رؤية العالم لما أراده المخرّبون، يميل الأخيرون للشعور باليأس كما يعمدون غالباً إلى الانتقال للعمل على أشياء تكون أكثر ضعفاً من «ويكيبيديا». ولا يعني ذلك القول إنه لا تحدث اختلافات في الرأي، أو أن العمل في «ويكيبيديا» يسير على أكمل وجه. لكن، في أغلب الأحوال، يحاول محرّرون في «ويكيبيديا» توجيه المنازعات على مسار يحقّق نتيجة أفضل في نهاية الأمر. وهناك صفحات تتضمن مناقشات لمحتويات «ويكيبيديا» تظهر فيها أحياناً بعض الآراء «المُغرِضَة» حول ما ينبغي أن يتضمنه المحتوى. وفي النهاية، فإنه حتى الخصوم يمكن أن يجدوا أرضيّة مشتركة عبر احتواء الاختلافات والاعتراف بها، الأمر الذي يكسب الموسوعة اتساعاً يكبر باستمرار. في المقابل، ثمة نقاشات يصعب في النهاية، تهدئتها والتحكّم بها.