جولة الإعادة للمرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية المصرية في الخارج، تتبعها جولة الإعادة للمرحلة الأولى في الداخل، تليهما الجولة الأولى للمرحلة الثانية في الخارج، لتخلفها الجولة الأولى للمرحلة الثانية في الداخل، وبعدها تأتي جولة الإعادة للمرحلة الثانية في الخارج، ثم الداخل، وهلم جرا. في تلك الأثناء ترفرف لافتات الدعاية الضخمة للمرشحين من ذوي الحظوة، وتُوَزَع مطويات متواضعة لأقرانهم من أصحاب العسرة غير عابئة بعزوف شعبي. وفي الوقت نفسه، تشتعل الفضائيات ب «توك شو» انتخابات حيناً وفضائح حيناً وسباب وشتائم دائماً. أما الشعب فرفع راية «الصبر مفتاح الفرج». انفراجة حقيقية حدثت في الإشارة المرورية المزمنة في ميدان الدقي (الجيزة) ليصرخ بائع المحارم الورقية: «افرجها من عندك يا رب»، وذلك بعد ما شهدت الإشارة على رغم تخمتها عزوفاً جماعياً عن الشراء. عاد البائع ليجلس على الرصيف انتظاراً لاحمرار الإشارة وتكدس المارة، لكن أيضاً متوقعاً عزوفاً جديداً وقرفاً عميقاً. تحليله للموقف ينحصر في حالة سأم عامة من أوضاع اقتصادية صعبة ومهازل تعليمية جمة وإيمان عميق بأن الفرج لن يأتي إلا من السماء «حيث لا رئيس محبوب نافع أو حساب مسؤول وارد أو برلمان منظور فارق». الفرق بين العزوف الجماعي عن المحارم في الإشارة والتصويت في الإعادة (كما هو متوقع) يكمن في أن تحسن الطقس أدى لوقف التعرق في الأولى ومن ثم الإقبال على الشراء، في حين أن انقشاع الزخم واندثار الأمل يؤديان إلى استمرار الابتعاد عن المشاركة في الثانية. وحتى تكتمل الصورة فإن استراحة البائع على الرصيف قوامها لافتة انتخابية ممزقة دافع عن اقتنائها بقوله: «أصلنا في صمت انتخابي». الصمت الانتخابي المفروض بحكم بدء جولة الإعادة للمرحلة الأولى لم يصل إلى الشارع حيث الحوارات بلا حدود والمناظرات بلا قيود والسجالات من دون شروط. وعلى رغم غياب الحوارات التوعوية والمناظرات الفعلية والسجالات الواقعية على شاشات الفضائيات، إلا أن الشارع سد الفجوات وأغلق الثغرات. حتى الهبد والرزع الدائرين على مدار الساعة في الفضاء العنكبوتي والهري والهري الآخر المستمرين في الدوائر الملتهبة حيث جولة إعادة بطعم تكسير العظام والمنابزة بالسباب والمجاهرة بال «سي ديهات» (الأسطوانات المدمجة) والمعايرة بالتسجيلات لم تجد صدى قوياً في الشارع العازف عن الانتخابات والمهموم بالآنيات. المشكلات الآنية حيث سويعات من الأمطار أغرقت مدينة وقتلت مواطنين وأقالت مسؤولين، وقرارات بعشر درجات حضور وسلوك للطلاب تُتخذ في غفلة من الواقع وتُجمد بعد أيام، وأسعار تعدت مرحلة الالتهاب ووصلت إلى الدور النهائي قبل الانفجار، لها الغلبة على رغم بدء الجولة. وبشهادة بائع المحارم، فإن المشاركين اليوم «لن يخرجوا عن أصحاب المصالح وأتباعهم وشوية المثقفين». المثقفون الذين يقصدهم البائع هم المدافعون عما تبقى من أمل في درء رياح الصوت العالي والغوغائية السياسية والفوضوية البرلمانية تحت قبة يتوقع أن تكون الأكثر إثارة. وعلى رغم ثنائية المواجهة في العديد من دوائر الإعادة، إلا إنها تبرز واضحة جلية في إحدى دوائر الجيزة حيث السطوة والسلطة والصوت العالي في مواجهة الفطنة والأكاديميا والصوت الهادئ، ويبقى لكل أدواته الخاصة وقواعده المختلفة. اختلاف توجهات الناخبين وانتماءاتهم وأهدافهم وهمومهم توحد كثيرين على جبهة العزوف، لكنها كذلك تدفع آخرين إلى ساحة المشاركة إما دعماً لمرشح معروف بقوة عشيرته أو مشهود ببأس علاقاته، أو حماية لآخر يمثل آخر القلاع السياسية وبقايا عصر الثورية. تحمر الإشارة ويبرح البائع لافتته الانتخابية حيث استراحته، وينادي على بضاعته الراكدة ويقينه أن العزوف سيد الإشارة والانفراجة فيها استحالة. يعود إلى مكانه، ويخرج الجنيهات المعدنية من جيبه ويضعها على صورة المرشح ويبدأ في عدها: واحد اثنان ثلاثة... يأتي أحدهم ويلقي إليه بعشرة جنيهات كاملة من دون أن يشتري. يصرخ البائع: «يا رب لو كنت مرشح تكسب». ثم يحدث نفسه: «الانتخابات كلها فوائد».