أثبت الحراك الفلسطيني الأخير ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي أن القدس خط أحمر لدى الشعب الفلسطيني، وأن الاتجاه إلى تهويد المدينة والمسجد الأقصى وتقسيمهما زمنياً ومكانياً سيواجه مقاومة شديدة. وتشهد القدسوالضفة الغربية موجة مواجهات يومية بين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية منذ مطلع تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، أدت إلى مقتل 49 فلسطينياً وعربي إسرائيلي واحد من جهة، وثمانية إسرائيليين من جهة ثانية. وشرعت سلطات الاحتلال في معاقبة سكان القدس خصوصاً، جراء هذا الحراك من خلال بناء جدار يعزل حي صور باهر وجبل المكبر عن مستوطنة "أرمون هنتسيف"، إضافة إلى عزل حي العيسوية، شمال شرقي القدس، عن سائر أحياء المدينة. وأحاطت السلطات الإسرائيلية حي العيسوية بجدار عازل ومكعبات إسمنتية وأسلاك شائكة، كما أغلقت مداخل الأحياء العربية من جهات عدة، ونصبت حواجز بينها، ما أدى إلى شل الحركة التعليمية والاقتصادية والاجتماعية للمقدسيين. وتمارس إسرائيل أنواعاً مختلفة العقوبات ضد سكان القدس، منها مصادرة الأراضي والعقارات وسن القوانين لخدمة هذا الغرض، إضافة إلى فرض ضرائب باهظة، وإنشاء المستوطنات وسحب الهويات من السكان وترحيلهم، بهدف تفريغ القدس من سكانها تمهيداً لتهويدها. ويقول المحلل السياسي جورج جقمان إن "الجدران العازلة والممارسات الإسرائيلية قلصت عدد العرب في القدس من النصف إلى الثلث". وأضاف: "يسود حالياً بين الحكومة الإسرائيلية والمستوطنين نقاشات حادة، حول عدم قدرتهم على مجابهة هذا الوضع غير المنظم والمفاجئ. هم في حيرة حول أهمية الجدار العازل في القدس، وهل يوفر لهم الأمن أم لا". ويؤكد جقمان أن الإنجاز الرئيس في الحراك الفلسطيني الأخير هو التشديد على "أهمية تسوية قضية الحرم الشريف والقدس عموماً، لكونها تشكل خطاً أحمر لا يجوز المساس به عربياً وإسلامياً، وأن المقاومة مستمرة ما دامت القدس تتعرض للتقسيم الزماني والمكاني". وتابع أن "المقاومة ستستمر ما دام هناك احتلال، وهذا من سنن الحياة". ولفت إلى أنه لا يوجد أي مؤشرات لمفاوضات إسرائيلية- فلسطينية على المدى المنظور. ويرى جقمان أن "الأحزاب لم تلعب دوراً محورياً في الحراك الأخير، لأن عدداً منها لا حول له ولا قوة، إضافة إلى انشغالهم في قضاياهم الداخلية". ويتابع أن "هذه الهبة الجماهيرية وحدت الشعب الفلسطيني في المناطق الضفة الغربية وقطاع غزة ومناطق 48". ويعتبر أن "أهم ما يميز هذا الحراك، مشاركة شباب غير حزبي، فهي هبة فردية خارج نطاق الأحزاب". وأشار جقمان إلى أن "هذه ظاهرة جديدة تدل إلى رفض شعبي وشبابي للاستفزازات الإسرائيلية والاعتداء على الحرم الشريف، وهي تفتح باب الرغبة في إعادة الوضع إلى ما كان عليه سابقاً لوقف الاحتلال الإسرائيلي". ويشدد جقمان على "ضرورة البناء على هذا الحراك من خلال تقديم الحكومة الفلسطينية مطالب محددة إلى الحكومة الإسرائيلية والأميركية حول موضوع القدس خصوصاً، وغيرها من المواضيع الشائكة عموماً". ويؤكد أن "السعي الإسرائيلي المستمر إلى تهويد القدس يهدم مشروع حل الدولتين من منطق فلسطيني وفهم الموقف الدولي أيضاً". وكانت الحوادث تصاعدت في القدس، عقب إخراج قوات الاحتلال الإسرائيلي المصلين من داخل المسجد الأقصى، لتأمين احتفال المستوطنين اليهود برأس السنة العبرية.