مع بروز الخلاف المعلن بين الحكومة العراقية والقوات الأميركية على خرق الأخيرة الاتفاق الأمني المبرم بين الجانبين خلال عملية دهم في محافظة الكوت جنوب بغداد الاحد الماضي، ركز الجيش الأميركي جهوده على استثناء مدن ديالى والموصل وبلدات محيط بغداد من انسحابه المقرر من المدن نهاية حزيران (يونيو) المقبل، وذلك بعد تقديم قادة عسكريين تقارير تشير الى صعوبة مواجهة القوات العراقية التحديات الأمنية في هذه المناطق. وقال القيادي في «حزب الدعوة» علي الأديب القريب من رئيس الحكومة نوري المالكي ل «الحياة» إن «الحكومة العراقية اعتبرت قيام الجيش الأميركي بدهم منزل في مدينة الكوت الأحد الماضي وقتل شخصين واعتقال آخرين، انتهاكاً واضحاً للاتفاق الأمني». وكشف أن «المالكي استنكر الحادث وطالب بكشف كل ملابساته». وأكد الأديب أن «الحكومة لم تشارك في العملية العسكرية ولم يكن لديها علم مسبق بها، ما يعارض وفي شكل واضح بنود الاتفاق الامني الذي تنص بنوده على ضرورة علم ومشاركة قوات الأمن العراقية في أي عملية عسكرية أو حتى دورية للجيش الأميركي في كل أنحاء البلاد». وبحسب المادة الرابعة من الاتفاق الأمني، «تجرى كل العمليات العسكرية التي تنفذ بموجب هذا الاتفاق بموافقة الحكومة العراقية، وتشرف على تنسيق كل تلك العمليات العسكرية اللجنة المشتركة لتنسيق العمليات العسكرية التي تُشكل بموجبه. وتُحال إلى اللجنة الوزارية المشتركة القضايا المتعلقة بالعمليات العسكرية المقترحة التي يتعذر على اللجنة المشتركة البت فيها». ولفت الأديب إلى أن الحكومة تنتظر حالياً تقديم الجيش الأميركي تقريراً مفصلاً حول الحادث وملابساته. لكنه لم ينف أو يؤكد الأنباء التي تحدثت عن مطالبة الحكومة العراقية بتعديل بعض بنود الاتفاق الامني المتعلقة بالحصانة، والتي كانت السبب وراء تعطيل اقرار الاتفاق أثناء المفاوضات بسبب اصرار الجانب العراقي على رفع الحصانة القضائية للجنود الأميركيين، وهو ما رفضته واشنطن بشدة. وكان مستشار الأمن القومي العراقي موفق الربيعي طالب خلال زيارة الى المرجع الشيعي علي السيستاني ليل أول من أمس القوات الأميركية بتسليم الجنود الأميركيين المتورطين في حادث الكوت الى القضاء العراقي لمحاكمتهم. ولا تسمح بنود الاتفاق الأمني بتسليم جنود أميركيين الى القضاء العراقي إذا كانت الجرائم التي ارتكبوها «خلال مهمات رسمية»، فيما يؤكد مراقبون أن تلك النقطة الغامضة ستكون مثار جدل مستمر حول وصف «المهمات الرسمية» والجانب الذي يحددها. وكان الربيعي الذي أكد بقاءه في منصبه لأن إلغاء أو تعديل مستشارية الأمن القومي مهمة يتكفل بها البرلمان، قال أول من أمس إن «حادثة قتل القوات الاميركية مدنيين في الكوت لا يمكن السكوت عليها إلا بعد تسليم الجنود الذين تورطوا في قتل المواطنيين العراقيين إلى القضاء العراقي ليحاسبهم». من جهته، كشف النائب في كتلة «الائتلاف الموحد» عباس البياتي عضو لجنة الامن والدفاع في البرلمان أن الجانب الاميركي قدم تعهداً رسمياً بعدم تكرار الحادثة. وأضاف في تصريحات صحافية أن المالكي أرسل قائد القوات البرية العراقية للاجتماع بقيادات الجيش الاميركي للاطلاع على أبعاد العملية، منوهاً أن الموضوع سيناقش في الاجتماع المقبل للجنة العليا بين البلدين. الى ذلك، كشف قائد عسكري أميركي رفيع المستوى في بغداد ل «الحياة» أن «القوات الاميركية تبحث تقارير عسكرية ميدانية حول الاوضاع الامنية في بعض المدن العراقية التي ما زالت بحاجة الى الدعم المباشر للجيش الاميركي بعد نهاية حزيران المقبل، وهو موعد انسحاب القوات الاميركية خارج المدن». وأضاف أن الأوضاع الأمنية في مدن الموصل وديالى وأطراف العاصمة بغداد ما زالت هشة وبحاجة الى دعم أميركي مباشر لقوات الأمن العراقية». وتابع أن «الجانب الأميركي قد يطلب من الجانب العراقي اجراء مفاوضات لاستثناء بعض المدن العراقية من الانسحاب الاميركي في حالتين، الأولى موافقة الحكومة العراقية، والثانية بقاء الأوضاع الأمنية في هذه المدن على حالها دون تحسّن». ولفت إلى أن «عملية تنفيذ الاتفاق الامني ما زالت جارية ووفقاً للخطوات المرسومة لها»، مشيراً الى «تسليم عدد من المعسكرات الاميركية الى قوات الأمن العراقية بالتزامن في مناطق تشهد تحسناً أمنياً ملحوظاً، فيما تستعد وحدات الجيش الاميركي للانسحاب من المدن العراقية بعد أقل من خمسة أسابيع».