للمرة الثانية منذ انتخابات 2005، يتوجه الناخبون العراقيون غداً الأحد الى صناديق الاقتراع بهدف اختيار نواب البرلمان الجديد. ويتوقع المرابون في هذه الدورة مشاركة قوية من قبل الناخبين السنّة الذين قاطعوا الانتخابات السابقة بحجة أن إسقاط عهد حزب البعث قد همش دورهم بعد 35 سنة، ونقل نفوذهم الى الشيعة. لذلك اقتصر عدد المقترعين في الدورة السابقة على ثمانية ملايين ونصف المليون عراقي. لهذا السبب وسواه اضطر الشيخ غازي الياور، أول رئيس للجمهورية، الى تشكيل لجنة محايدة تتولى مهمة إعادة دمج الجهة المقاطعة في النسيج الوطني بحيث تنال نصيبها داخل الحكومة الجديدة. وضمت تلك اللجنة في حينه عدداً من الشخصيات العراقية المعروفة مثل الياور وطارق الهاشمي (عن الحزب الإسلامي) وعدنان الباجه جي (عن تجمع المستقلين الديموقراطيين). الصحف العراقية تتحدث منذ شهرين عن المبالغ الخيالية التي تُنفق على حملات المرشحين، وعن التغييرات السياسية التي ستبدل مواقع كبار الزعماء في خريطة البرلمان المقبل، خصوصاً بعدما أعلنت الإدارة الأميركية عن نيتها سحب قواتها في نهاية عام 2011. ولكنها في الوقت ذاته، تستعد لانسحاب جزئي في نهاية شهر آب (أغسطس) مع الاحتفاظ بلواء مقاتل في كركوك، المدينة المتنازع على مستقبلها. والى أن يحين موعد الانسحاب النهائي للقوات الأميركية بعد سنة تقريباً، فإن اهتمام مختلف الكتل منصبٌّ على ضرورة الإسراع في ملء الفراغ الأمني بقوات محلية قادرة على فرض النظام. ويتخوف المتشائمون من تدهور الوضع الأمني الذي يحدث عادة عقب انسحاب جيوش الاحتلال. مثال ذلك أن الانسحاب المفاجئ للقوات السوفياتية من أفغانستان، تسبب في اندلاع حرب أهلية لم يحسم نهايتها سوى تدخل «طالبان». وهذا ما حدث في الكونغو عقب انسحاب قوات الاحتلال البلجيكي، ولولا تدخل الأممالمتحدة لكان تشومبي نجح في فصل إقليم كاتنغا، بل هذا ما تعرضت له أنغولا على أثر خروج القوات البرتغالية. وعليه ترى القيادات العراقية أن من الضروري الاتفاق على ترسيخ الوضع الأمني – سياسياً وطائفياً – قبل الانسحاب الأميركي النهائي خشية الدخول في المجهول. جديد هذه الدورة يتمثل في النتائج السياسية التي أفرزتها عملية انقسام «حزب الدعوة» في عهد رئيس الحكومة السابق الدكتور إبراهيم الجعفري. وكان من الطبيعي أن يعزز ذلك الانقسام فكرة الاستقلالية لدى الرجل الثاني في الحزب، رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي، خصوصاً بعد فوز الائتلاف الذي شكله تحت شعار «دولة القانون» في انتخابات مجالس المحافظات. وهو يعترف بأن المزيج الوطني الذي صاغ منه ائتلافه كان السبب في ربح معركة المحافظات لأنه ضم شريحة متجانسة من زعماء العشائر السنية وأكراداً وشيعة ومسيحيين ومستقلين. وتضم هذه القائمة شخصيات معروفة مثل علي الدباغ وموفق الربيعي والشيخ علي حاتم السلمان والحزب الشيوعي. وقد لمح المالكي في خطبه الأخيرة الى انفتاحه على الأكراد والائتلاف الشيعي بهدف تشكيل حكومة توافقية على الطريقة اللبنانية، تضم غلاة المعارضة. مع العلم أن النظام الانتخابي يسمح للحاصل على 163 مقعداً في البرلمان بتشكيل حكومة بمفرده. ويبدو أن رئيس الوزراء يتوقع بروز عوائق سياسية وأمنية تمنع أي فريق من الاستئثار بالحكم. وبما أن «الكتلة العراقية» التي تضم إياد علاوي وطارق الهاشمي قد تعهدت بمقاطعة المالكي أو الاشتراك معه في حكومة ائتلافية، فإن فكرة «التوافق» تصبح صعبة التحقيق، خصوصاً بعد التراشق الإعلامي الذي افتتحه المالكي بتحذيره «ممن يريدون العودة الى الحكم على ظهر الدبابة». وكان بذلك الكلام يشير الى قدامى حزب البعث من أمثال صالح المطلك وإياد علاوي. وقد رد عليه علاوي بالقول: «إنه يستنبط مسرحية وهمية مفضوحة وهزيلة للتغطية على فشله وإلهاء الشعب العراقي عن واقع مرير اتصف بالتدهور الأمني وتفشي الفساد المالي والإداري وازدهار المحسوبية والطائفية». على رغم اعتراض علاوي على قرار «هيئة المساءلة والعدالة» بإبعاد صالح المطلك، إلا أنه قد يستفيد انتخابياً من تأييد المناطق السنية التي قاطعت الانتخابات السابقة. وبما أن الرأي العام يتعاطف دائماً مع الضحية، فإن عملية استبعاد المطلك بتشجيع من أحمد الجلبي، ربما تؤدي الى نتائج عكسية لا تخدم مرشحي «الائتلاف الوطني». أي الائتلاف الذي يضم إبراهيم الجعفري وعادل عبد المهدي وأحمد الجلبي وباقر الزبيدي وأكرم الحكيم والشريف حسين بن علي ونصير الجادرجي وخالد الملا. في منطقة كردستان استطاعت قوة ثالثة ممثلة بكتلة التغيير، أن تستقطب عدداً كبيراً من الأكراد على اعتبار أن الحزبين المسيطرين على مقاليد الأمور، لم يحققا وعودهما الانتخابية. لذلك حصل تيار التغيير على ما نسبته 17 في المئة من عدد المقترعين خلال الانتخابات المحلية. واعتبرت هذه المحصلة السياسية بمثابة إنذار وتهديد لكل من الرئيس جلال طالباني (الاتحاد الوطني) ورئيس كردستان مسعود بارزاني (الحزب الديموقراطي). وواضح من تسلسل الأحداث أن رئيسي الحزبين قد اتفقا على تطويق «كتلة التغيير» التي يتزعمها نيوشروان مصطفى، المنشق عن «الاتحاد الوطني». وفي كلمته أمام اتحاد الطلبة في أربيل، انتقده مسعود برزاني بقسوة لأنه وصف قوات «البيشمركة» بالميليشيا. وحذره من عقاب صارم لأن الدستور العراقي منح هذه القوات صفة الشرعية القانونية. يقول السياسيون في بغداد إن الاحتلال الأميركي ساعد الأكراد على نيل حصص أكبر من حجمهم العددي. ذلك أنهم يشكلون ما نسبته 22 في المئة من مجموع السكان (32 مليون نسمة) ويأخذون من الموازنة العامة 17 في المئة. وربما خصتهم الحكومات السابقة بهذه المعاملة المتميزة كتعويض معنوي عن الإساءات التي أُلحقت بهم في عهد صدام حسين. ومعنى هذا أن الحكومات المنبثقة عن البرلمان الجديد قد لا تقبل بمنحهم مناصب رفيعة كالتي تولاها جلال طالباني (رئيس جمهورية) وهوشيار زباري (وزير خارجية) وبرهم صالح (نائب رئيس الحكومة). يتوقع زعماء الأحزاب العراقية ظهور أربع قضايا ملحة على قائمة الأولويات: مستقبل مدينة كركوك، وموضوع مياه دجلة والفرات مع تركيا، ومسألة الحدود مع إيران والكويت بعد حروب البلدين ما بين عامي 1980 و1990، ومشكلة إعادة المهجرين من سورية والأردن وسائر دول العالم. بالنسبة الى القضية الأولى، فإن حكومة إقليم كردستان التي تضم ثلاث محافظات، تطالب بتوسيع نفوذها بهدف ضم مدينة كركوك الغنية بالنفط، إضافة الى مناطق أخرى يقطنها الأكراد في محافظتي ديالى ونينوى. في المقابل، تصرّ الحكومة المركزية في بغداد على إبقاء حدود الإقليم ضمن محافظات أربيل والسليمانية ودهوك، على أن تكون منتجات النفط في كركوك في خدمة العراق كله لا في خدمة الإقليم فقط. أما بالنسبة الى موضوع مياه دجلة والفرات فإن هذا الأمر قابل للتفاوض على اعتبار أن العراق بدأ يفقد أهميته الزراعية بعد شح مياه النهرين وزيادة معدل التلوث بنسبة مخيفة. وتعترف الحكومة التركية بأن مشروع السدود الضخمة قد أضر بالمواسم الزراعية في سورية والعراق. وأعلنت عن استعدادها لمراجعة هذه المسألة الحيوية، خصوصاً أن التبادل التجاري مع بغداد وصل الى 9 بلايين دولار السنة الماضية، أي ضعف قيمة التبادل التجاري مع إيران تقريباً (5 بلايين دولار سنوياً). بقي الحديث عن توقعات الفوز والهزيمة، في ضوء ما تنشره استطلاعات الرأي بهدف التأثير على الناخبين المحايدين. وعلى رغم وجود وفود رقابة تابعة للاتحاد الأوروبي والجامعة العربية والأممالمتحدة وسفارات البلدان الممثلة، فإن عمليات الرشوة والتأثير على الرأي العام طغت على حملات الاتهام والانتقاد. وقد شاركت قيادة القوات الأميركية في العراق برفع مستوى القلق والبلبلة عندما حصلت على معلومات تفيد عن دخول أربعة ملايين دولار مزيفة الى محافظتي ذي قار وميسان. ومن المؤكد أن توزيع هذا الخبر سيعطي الفاشلين حجة إضافية لتفسير تصرفات المفوضية العليا التي طبعت سبعة ملايين ورقة انتخاب إضافية كنوع من الاحتياط المسبق. وفي هذا السياق أخبرني نائب عراقي بأنه من الصعب جداً على لجان الرقابة رصد الرشى غير المباشرة التي تتم بالتراضي. وقال إن زعماء العشائر هم الذين يقبضون، ثم يوزعون الحصص على الرعايا إذا شاؤوا، وادعى في حديثه حول هذا الموضوع أن نوري المالكي وزع على رؤساء العشائر عشرة آلاف مسدس من نوع «كولت» ثمن الواحد منها ثلاثة آلاف دولار. وهذا يعني أنه وزع 30 مليون دولاراً، وإنما في شكل مسدسات! وفي تعليق نشرته إحدى صحف بغداد، ذكرت أن هذه المسدسات هي نوع من الاحتياط للانقلاب الذي سيقوم به إياد علاوي... * كاتب وصحافي لبناني