لأكثر من ثلاثة عقود تُركت الطائرات السوفياتية القديمة في مطار صغير مهجور في عمق سيبيريا، ومر عليها سنوات من الاهمال في الأجواء السيبيرية القاسية التي حولت طائرة خطوط "ايروفلوت" من طراز "توبوليف تو 104" الى ما يشبه الحطام. ثم ظهرت ماريا كارمانوفا، وهي فتاة روسية تعيش في مدينة نوفوسيبريسك، غرب سيبيريا، على ضفاف نهر اوب، وهي ثالث أكبر المدن الروسية، وأخذت على عاتقها احياء هذه الطائرة في تحد لإعادتها الى مجدها، كما ذكرت موقع قناة "سي أن أن" الاميركية الإخبارية. وتبلغ كارمانوفا 31 سنة، وتحمل شهادة الدكتوراه في الرياضيات، وتعمل في معهد "سوبوليف" في اكاديمغوردوك الواقعة في الغابات السيبيرية، وهي التي تعرف بأنها من مدن العلوم. وأصبحت كارمانوفا متحمسة اكثر للطيران بعد ان كثرت رحلاتها حول العالم لحضور المؤتمرات الخاصة بالرياضيات. وتركز اهتمام كارمانوفا على الطائرات السوفياتية القديمة، ولذلك سافرت في جولة حول روسيا وفي دول الاتحاد السوفياتي السابق لتحديد اماكن وجود هذه الطائرات. ومع اهتمامها المتزايد بهذا النوع من الطائرات، كانت اولى مغامراتها في الاهتمام بالطائرات في مكان قريب من بيتها، وهي طائرة "توبوليف تو 104" مهجورة في منطقة بيردسك غرب نهر أوب. وتعتبر هذه الطائرة اسطورة في عالم الطائرات، وكانت الطائرة السوفياتية التجارية الوحيدة في ذلك الوقت، واعتبرت رمزاً للاتحاد السوفياتي. وتبلغ حمولة هذه الطائرة 115 مسافراً ويمكنها الطيران لمسافة 1500 ميل. وسلمت هذه الطائرة الى الخطوط الروسية "ايروفلوت" في العام 1958، واستمرت في الخدمة لنحو 20 سنة. وكانت تطير انطلاقاً من مطار فينوكوفو الى محطات خارج "الستار الحديدي" (خارج دول اوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي). وكان آخر رحلاتها الى مطار بيردسك حيث بقيت هناك لتستخدم لأغراض التدريب. لكنها مع الوقت تعرضت لسرقة قطعها اكثر من مرة، الى ان سمعت عنها كارمانوفا في العام 2009 واتجهت الى مدينة بيردسك لتسأل عنها. وعلى رغم ان كارمانوفا لا تملك خبرة في اصلاح هذه الطائرات، الا انها قبلت التحدي، خصوصاً في مهمة البحث عن القطع والمكونات المفقودة. والبداية كانت بمقصورة الطائرة، وقيل لها في نادي الطيران المحلي أن تقوم بالاتصال بادارة الطيران في غرب سيبيريا، حيث يمكن لبعض الطيارين مساعدتها في ذلك. وقابلت بالفعل طياراً سابقاً لهذه الطائرة عرض المساعدة وتطوع لإعطائها معلومات حول عملية تشغيل الطائرة، وساعدها ايضاً في الاتصال بطيار سابق في الخطوط الروسية "ايروفلوت" كان يعمل مهندساً للطائرة نفسها. وبعد حصولها على هذه المعلومات حول الطائرة ومكوناتها بدأت كارمانوفا البحث في السوق عن قطع الطائرة. وكانت المفاجأة انها وجدت الكثير منها عبر شبكة الانترنت في العديد من مناطق روسيا والدول المجاورة، مستخدمة مالها الخاص في هذا الأمر. وفعلاً، نجحت كارمانوفا حتى اليوم في اصلاح وتجميع حوالى 60 إلى 70 في المئة من قمرة القيادة، لكن ما زال امامها الكثير من العمل. وعلى رغم انها بدأت بمفردها، الا ان متطوعاً شاركها بعد سنة من بدء مهمتها، هو فلاديمير تشيبوتنيكوف، الذي ساعدها في تركيب القطع الثقيلة واعادة اصلاح العديد من الاجزاء الاخرى، ثم انضم اليها ثلاثة متطوعين آخرين ساعدوها في تحديد اماكن بعض القطع المفقودة. وتبقى كارمانوفا واقعية حيال هدفها من هذا المشروع، وتقول: "اهدف طبعاً الى اعادة هذه الطائرة للتحليق، لكن هذا يتطلب الكثير من المال والعمل والجهد الفني الذي لن يحدث في المستقبل القريب". وتضيف ان "الاهم حالياً هو اصلاح بعض القطع والمكونات الكهربائية ومعدات الاضاءة وأجهزة الاتصالات. وفي النهاية، الفكرة تهدف الى وضع هذه الطائرة في متحف داخل مطار بيردسك. وبمجرد انتهاء اعمال الاصلاح سيتم عرض الطائرة امام الزوار".