تتجه أنظار دول مجموعة اليورو ال 16 اليوم (الجمعة) إلى برلين انتظاراً لنتائج الاجتماع الحاسم بين رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندرو مع المستشارة الألمانية انغيلا ميركل، وعلى رغم تأكيد ألمانيا السابق بأنها لن تتدخل لدعم اليونان، ما لم تتخذ الأخيرة إجراءات حاسمة لتقليل نسبة العجز في موازنتها، البالغة 13 في المئة تقريباً من ناتجها القومي، إلا أن أخباراً شبه مؤكدة تشير إلى اتفاق ألماني - فرنسي لتقديم معونة تبلغ 41 بليون دولار لحكومة أثينا، لإخراجها من الأزمة التي ربما تؤدي إن لم تتدخل الدول الكبرى بالدعم إلى إعلان حكومة أثينا إفلاسها، وهي الخطوة التي تهدد مستقبل دول اليورو جميعها. ولأن الأزمات تذهب فرادى وتأتي مجتمعة، فإن دول اليورو الكبرى، خصوصاً ألمانيا وفرنسا، ستجد نفسها متورطة لحل أزمات مماثلة لأزمة أثينا، إذ تحتاج كل دولة مما أصطلح على تسميتها بمجموعة ال«Piigs»، والمشتقة من الحروف الأولى لدول البرتغال، إيرلندا، إيطاليا، اليونان، ثم إسبانيا، إلى تدخل مالي بشكل أو بآخر. ولا بد من تدخل الدول الكبيرة لحل أزمات شقيقاتها الصغرى حتى لا ينكسر النموذج الوحدوي الذي تبنته وراهنت دول أوروبا على نجاحه، وأصبح المثال والقدوة لأي تكتل لاحق. ولأننا في الخليج كان يفترض أننا تسلمنا راتبي كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير) الماضيين بالعملة الخليجية الموحدة (كرم، دينار، أو درهم) بحسب اتفاق قمة قادة دول مجلس التعاون الخليجي الشهيرة في مسقط في آخر يوم من 2001، وهي القمة التي وضعت الجدول الزمني للوحدة الجمركية، فالسوق المشتركة، وانتهاء بإطلاق العملة الموحدة في مستهل 2010. إلا أن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن، وتأجل إطلاق العملة الموحدة إلى موعد لا يعلمه سوى العلي القدير. فخلال منتدى جدة الاقتصادي قبل ثلاثة أسابيع، قال محافظ مؤسسة النقد السعودي محمد الجاسر إننا لم نفقد الأمل بعودة عُمان والإمارات إلى الاتفاق الخليجي، ليعاجل محافظ البنك المركزي الإماراتي سلطان ناصر السويدي بالرد بأن «بلاده لا تفكر حالياً في العودة إلى اتفاق المجلس»، وهذا التصريح يظهر «احتقاناً» و«حساسية» كبيرة لدى الأشقاء في الإمارات جراء اختيار الرياض مقراً للبنك الموحّد، وهو السبب الذي أدى إلى انسحابهم. كما يبدو أن مسقط لا تفكر بدورها في العودة للانضمام إلى الاتفاق. ولأن النظرة الاقتصادية لا تدعم قيام مثل تلك الوحدة النقدية لسببين أولهما: أن الهياكل الاقتصادية للدول الست متشابهة، فجميعها تعتمد على تصدير سلعتين رئيسيتين هما النفط والغاز، وتستورد كل حاجاتها الأخرى من الخارج. وهو ما يعني أنه ليس هناك تنوع في الإنتاج ولا العمالة حتى تستفيد الدولة من الأخرى في التكتل الواحد. وثانياً: أن العملات الوطنية لتلك الدول تقتصر على الاستخدام المحلي فقط، بمعنى أن كل صادرات وواردات هذه الدول بالعملات العالمية الصعبة (الدولار غالباً)، كما أن ارتباط عملات دول الخليج المحلية بالدولار الأميركي بسعر صرف ثابت (مع استثناء بسيط للكويت) يجعل التحكم في السياسة النقدية تابعاً لنظيره في السوق الأميركية حتى وإن كان هذا الاتجاه يخالف مصلحة دول الخليج اقتصادياً. وهذا العامل يقلل من فائدة العملة الموحّدة. وبإضافة تأثير أية أزمة مالية محتملة لإحدى دول الخليج، كما هي الحال في أوروبا حالياً، فستجد الدول الأخرى نفسها مضطرة للتدخل، خصوصاً السعودية التي يجب أن تلعب دور ألمانيا في منطقة اليورو. وأختم بأن التعاون الخليجي يجب أن يستمر، وأن هناك أولويات يجب العمل على إنجازها مثل التنقل بالبطاقة الشخصية، والسماح بتوظيف مواطني الدول الخليجية في أي بلد خليجي، والسعي للحفاظ على أمن واستقرار المنطقة التي تحيط بها القلاقل والفتن من كل اتجاه، وهي أمور أهم وألزم كثيراً من إطلاق عملة موحدة نتيجتها الوحيدة هي تغيير اسم العملة وشكلها ولونها فقط. كما أن أزمة دول ال«Piigs» يجب أن تجعلنا نفكر ونعيد التفكير في كيفية حل الأزمات قبل أن نقدم على الارتباط، فالأفكار التي كانت صالحة للتطبيق أمس ربما لم تعد لها الجاذبية نفسها اليوم. * اقتصادي سعودي - بريطانيا www.rubbian.com