في ما يلي نص التعليق على «وثيقة حزب الله السياسية» الذي أقرته الهيئة الإدارية في «المركز المدني للمبادرة الوطنية» - لبنان: «ماذا يريد حزب الله من وثيقته السياسية؟ تأتي الإجابة عن هذا السؤال في السطر الأول من نص الوثيقة: يريد حزب الله «تظهير رؤيته السياسية». لماذا إذاً لا يجد القارئ، عند فراغه من قراءة السطر الأخير، أي ظهور لشيء، ان غاية ما يجده ليس سوى زيادة في الخفاء؟ الوثيقة انما هي نوع من العهد. كذلك الميثاق. والفارق هو في أن الوثيقة أشد حملاً على التصديق، من حيث توقع التزام الصدق والإخلاص فيها، إذ انها بمبادرة من تلقاء طرف واحد، بلا اكراه أو ضغط أو تسوية أو تنازل على مضض، بينما يكون في الميثاق هذا وغيره إذ يكون خلاصة إرادات أطراف عدة، نقطة انسجامها الظاهرة ما كان إثباته في النص. لكن هذا لا يمنع من أن تكون الوثيقة خلاصة إرادات عدة في داخل طرف واحد، هو حزب الله. كأنها ميثاق داخلي. وهذا هو الأقرب في أحكام هذه الوثيقة وصياغاتها ذات اللغات الكثيرة: الدينية، الوطنية، العالمية، الذرائعية، بالمعنى الشائع. ولا كبير اعداد بهذا التعدد، في هذا النوع الخاص من الأحزاب، إلا عند حدوث الانشقاق. وهذا شيء بعيد الاحتمال، أو غير ذي بال. وفي أي حال، هذا النص نص معلن، لا داخلي فحسب، يقدم نفسه، في جانب أساسي منه، كأنه عهد بين حزب الله وسائر اللبنانيين من المنسوبين أو المنتسبين الى الشيعة أو الى غيرهم. فهل بين حزب الله وبين اللبنانيين من عهد؟ جوهر الموضوع ثلاث نقاط: الأولى السلاح الحزبي، في بناء المقاومة، الثانية حق النقض بلا حدّ، في ممارسة الحكم، الثالثة التبعية العضوية، في العلاقة بالخارج. فما الذي يلتزم به حزب الله في هذه النقاط من «تصورات ومواقف» وما الذي «يختزنه من آمال وطموحات وهواجس»، فيكون عهداً أو كالعهد؟ لا يمكن مواطن لبناني، أو بالأحرى لا يمكن لبناني يريد أن يكون مواطناً ويريد للبنان أن يكون وطناً لمواطنين متساوين أحراراً، أن يقبل بما يقدمه حزب الله، في هذا المجال، من «تصورات ومواقف، أو أن يقبل بما «يختزنه» هذا الحزب «من آمال وطموحات وهواجس»، فيُواثقه به أو يعاهده عليه. ففي مسألة السلاح الفئوي الحزبي يكرس نص الوثيقة هذه الفئوية وهذه الحزبية مستنداً في الواقع الى مشكلة حقيقية هي مشكلة القدرة الدفاعية، بل مشكلة الاستهانة اللبنانية العامة بحماية لبنان واللبنانيين. ولكن، إذا كان الالكتفاء برفض سلاح حزب الله ليس حلاً فإن تكريس حزبية سلاح المقاومة وفئويته ليس حلاً لمشكلة القدرة الدفاعية بل زيادة أكيدة في اضعاف هذه القدرة من حيث شرطها الداخلي. وفي مسألة الحكم يكرس نص الوثيقة الغاء الحكم بما هو حكم وطني لبناني، لاتجاه ممثلي الطوائف السياسيين والدينيين فحسب، بل أيضاً تجاه الدول الأجنبية التي تمارس الوصاية على تلك الطوائف من خلال منظمات الأحزاب والتيارات والزعامات التي تسعى كل واحدة منها الى المماهاة بينها وبين الطائفة الفريسة. وهذا أيضاً، وخلاصته القول بالتوافقية، يستند الى مشكلة حقيقية هي مشكلة النظام. والحكم قد أمسى من خارجه، من فترة غير قصيرة. وفي أي حال، ما حقيقة هذه التوافقية؟ ومن يوافق من؟ ولمن الكلمة الفصل في إحلال التوافق او في العودة الى التهارج؟ هل هي لأطراف الخارج أم لأتباع الداخل؟ وفي مسألة التبعية لدولة أجنبية، يكرّس نصّ الوثيقة تأسيس هذه التبعية العضوية، عرضاً، كما تكرّس تأسيسها ايضاحات أمين عام الحزب، عمداً، عبر التصريح بولاية الفقيه وتعيين مكانتها الثابتة المتعالية أبداً. وهذا أيضاً، وخلاصته القول بولاية الفقيه، يستند الى مشكلة حقيقية هي مشكلة الكيان. فإذا كان الكيان لطائفة واحدة أو لمجموعة من الطوائف، بدلاً من أن يكون لشعب واحد وإن كانت فيه طوائف كثيرة، فلا إمكان لاستقلال أو سيادة، وبالتالي لا إمكان للحد من استشراء التبعية الى حد انحلال الكيان. وإنه لمدهش، ولكن، للوهلة الأولى وحسب، ما نشهده في وثيقة حزب الله السياسية وإيضاحات أمينه العام من احتفال بأمر هذه الطائفية، كأنها نوع من الفرصة أو الهدية الثمينة، إذ انها، من بعد، ذريعة مناسبة بما هي «معضلة» مقررة. حزب الله هو حزب الدولة الإسلامية الشيعية، في مثالها الإيراني. فالقول بولاية الفقيه ليس سوى القول بتلك الدولة، في لبنان وفي العالم. والمسألة، هنا، ليست في المستقبل، فهذه الدولة ليست بدايتها، في لبنان، في المستقبل. انها قيد التحقيق، وفي أشكال دولة غير تقليدية. ومن يريد دولةً غير هذه، دولةً قابلةً للحياة، فالسؤال الذي يتعين أن يجيب عنه هو أين مشروعها؟. أين أجوبته الجدية عن أسئلة النظام والكيان والدفاع؟ ولا نفع هنا في تحميل حزب الله المسؤولية، فذلك شأنه المتوقع، وتلك هي الغاية الثابتة منه. ان المركز المدني للمبادرة الوطنية يؤكد سعيه الى قيام الدولة المدنية، ويؤكد تقديره بأنها الدولة الوحيدة القابلة للحياة، لا الدول الدينية المزعومة ولا الدول الطائفية الممسوخة، فهذه وتلك تناقض في القول وتناقض في العمل. والدين والطائفة فيهما مسخران في خدمة الرجال، رجال السياسة ومن يتبعهم أو يقودهم من رجال الدين، لا العكس. والمركز يتابع بلورة أجوبته في مسائل النظام والكيان والدفاع وغيرها، التي بيّنها في اعلان تأسيسه وفي بياناته اللاحقة وفي مبادرته العملية. وهو إذ يؤكد سعيه الفكري والعملي الى قيام الدولة المدنية يدعو كل من كان خياره هذا الخيار الى بذل الجهد وتركيزه بدلاً من اضاعة الوقت الثمين في التشكي والتمني. فمهما تكن صحة الفكرة فهي لا تطبق نفسها بنفسها. ولا غلبة لها أو ظهور إلا بمواجهة غيرها من الأفكار، فالشيء إنما يكون بالمشيئة. وما الدولة، أي دولة، إلا دولة مدنية، إذ ان جوهرها، مهما يكن وصفها، هو شرط السلام وإمكان تمدن البشر، والمسؤولية فيها هي مسؤولية البشر حاكمين ومحكومين. والفارق انما هو في قبول مسؤولية التقدير والمصالح والمفاسد، وبما يسهل التكيف الإيجابي المتواصل مع الحوادث، او في التحايل في هذه المسؤولية بوسائل التقديس، وبممارسة وصايات غير مشروعة، على الأفراد وعلى الجماعات، في دائرة مقفلة لا خروج منها إلا بالشقاق، كما هو حاصل في دول الاستبداد، عموماً، وفي الدول الدينية والطائفية، بالضرورة. إن المركز المدني للمبادرة الوطنية إذ يتوقف عند وثيقة حزب الله السياسية انما يأخذ هذه الوثيقة مأخذاً جدياً ويقوم بواجبه في المناقشة العامة. وفي هذا السياق لم يكن التعليق في منحى المجادلة، بل نأمل بأنه كان في منحى اظهار الشيء والقصد، على عكس ما رأينا في هذه الوثيقة من مجانبة تدعو الى الشك. وقد آثرنا كفاية الإشارة دون التفنيد، بلا مجادلة أو مجاملة».