وُلد الموسيقي بيتهوفن في مدينة بون الألمانية عام 1770، وتوفي في فيينا عام 1827، وحين بدأت إصابته بصمم بسيط عام 1802 انسحب من الأوساط الفنية والاجتماعية وأمضى حياته وحيداً بلا زواج، فقلّت مؤلفاته، واتخذت طابع الحدة، حتى انه كان يرد على منتقديه بأنه يعزف للأجيال المقبلة، وقد صار، فاثنتان من سيمفونياته الخالدة (الخامسة والتاسعة)، ألّفهما أثناء فترة صممه، فعلى رغم يأسه القاتل الذي كان يوصله إلى حافة الانتحار، إلا أنه قاوم وبضراوة، موجهاً جلّ طاقته لإبداعه. من أقواله: «يا لشدة ألمي عندما يسمع من بجانبي صوت ناي أو غناء راعٍ لا أستطيع سماعه». وعدا عن مصيبة صمم ابتلي بها موسيقي بحجم موهبته، لم تكن حياته أقل ابتلاء، فوالده، وإن كان معلمه الأول الذي وجه اهتمامه للموسيقى، كان مدمناً على الكحول، أما والدته فتوفيت وهو في ال17 من عمره، تاركة له مسؤولية العائلة التي وقفت حائلاً دون إتمام رحلته إلى فيينا (عاصمة الموسيقى آنذاك)، الحلم الذي تحقق على يد حاكم بون عام 1789، بإرساله بيتهوفن إلى فيينا وتلمذته على يد الموسيقي هايدن (الأب الشرعي للموسيقى الكلاسيكية). والآن، من هي آنا هولز التي ارتبط اسمها بالموسيقي العبقري آخر عمره؟ كان بيتهوفن غير راضٍ عن ناسخه العجوز لأنه بطيء ولا يفهم نفسيته ولا ألحانه، فكان أن أرسل إليه المعهد الموسيقي آنا هولز، فتردد في قبولها ناسخة لألحانه، لكن تصحيحها لإحدى نغماته أذهله فقبل بملازمتها إياه، ولأن بيتهوفن كان صعب المراس بنوبات عصبيته، لم يكن لفتاة ال23 ربيعاً أن تحتمله، ولكن المرأة استطاعت الوقوف معه لثلاث سنوات كانت هي أيامه الأخيرة، فكانت له بمثابة الأم والحبيبة والملهمة والممرضة والخادمة... كانت الإنسانة التي أرسلها القدر إليه لتهون عليه شقاءه وتساعده في كتابة آخر سيمفونياته، فقادت معه الأوركسترا بنجاح، وجعلت ثقته بألحانه تتضاعف وهي الى جانبه، فالرجل الذي كان يشعر أنه يحمل في داخله تواصلاً مع الله، التقى بامرأة آمنت بما استودع، كما آمنت بفرصتها للذهاب إلى فيينا لمعايشة الإبداع مجسداً ومحاصراً بالوحدة، فاستعدت لقدرها الصعب كأفضل ما يكون، لنستمتع بأروع ألحان ولدت من رحم العذاب. كلمة أخيرة: كثيراً ما تتكرر حكاية التقاء الرجل بامرأة تفهم حالاته النفسية وآلية تفكيره، فتؤنس وحدته وغربة روحه بعد سنين من المعاناة، أو التنقل من امرأة إلى أخرى، فيتحول معها إلى ما يشبه الطفل بكل حاجاته للحنان والمراعاة، وقد ينظر الآخرون إلى المرأة فلا يرون ما رأى، ولكن كما قيل يوماً: «خذوا عيني شوفوا فيها». هذه المرأة إن ظهرت في حياة الرجل قد تقلبها فلا تعود إلى سابق عهدها، فإن كان وحيداً فقد يرتبط بها إن كانت ظروفها واختياراتها تسمح بهذا الرباط، أما إن كان ملتزماً بعائلة وأبناء، فقد يقع بين نارين، وهنا يكون الاختيار أصعب بسبب نتائج ستتبعه، ولكن الأصعب والأكثر حرقة للرجل أن يلتقي بهذه المرأة فيعتبرها نسخة من أخريات وتضيع مع الزحمة وضعف البصيرة، ثم، وفي مرحلة لاحقة من عمره، وربما بعد أن يفهم نفسه أكثر، يكتشف ما ضيّع، فأي خسارة! وقالوا: «لأغالبن القدر دون أن أحني له هامتي» بيتهوفن