«لا تصدقها حين تستسلم لك تماماً... فهي تستعد لسحقك في لحظة... سترقص كالأفعى وستزحف بين عشب صدرك، وستنشب أنيابها فيك دون تردد، وبعض الحب سم لا ترياق له». هي فقرة من أحد النصوص المكتوبة والمكررة فوق نموذج مصغر لأحد المسلات الفرعونية، والتي تطالعك فور دخولك إلى قاعة عرض في غاليري ال «تاون هاوس» في القاهرة، نموذج المسلة هو جزء من مجموعة تكوينات منفصلة تحمل المفهوم ذاته تعرضها الفنانة هدى لطفي في غاليري «تاون هاوس» في القاهرة أخيراً بعنوان «أن تكون رجلاً». في هذا العرض يمكنك أن تشاهد صوراً للرئيس الأميركي باراك أوباما وألفيس بريسلي وشخصيات «الأكشن» المفتولة العضلات، بالإضافة إلى تماثيل «المانيكان» ذات التكوين المثالي إلى جانب صور أخرى لعسكر، وباعة جوالين وعمال نظافة. تتأمل الفنانة لطفي عبر الأعمال المعروضة مفهوم الهوية الجنسية من خلال الصورة النمطية للرجل. فهي تستعرض من خلال هذه الأعمال وبطريقة لا تخلو من السخرية نماذج مختلفة للصورة الذكورية التي تكرّس عبر لعب الأطفال أو الإعلانات... وغيرها من الوسائل. تطالعنا الفنانة على سبيل المثال، بنموذج صغير ومكرر من ل «سوبرمان» جرى توظيفه في أحد الأعمال تحت عنوان، «خيال أميركي وصناعة صينية وعرض مصري، «لجذب الانتباه إلى هذه الصورة النمطية للرجل والتي تتحدد من خلالها مفاهيم الناس حول الرجولة في الثقافات المختلفة». ومن خلال الأعمال المعروضة، تحاول لطفي وفي شكل ساخر كسر هذه الصورة النمطية للرجل المثالي، كما تصوره ثقافات الشعوب بعرضها نماذج مختلفة من الصور لرجال عاديين التقطت في شوارع القاهرة أو جلبت من طريق الإنترنت. استخدمت هذه الصور جنباً إلى جنب الصور النمطية للرجل المثالي في تراكيب وتوليفات عدة تحتوي على عناصر مهملة تم جمعها من أسواق الخردة كاللعب وتماثيل العرض داخل المحال، وهي العناصر التي تعتمد عليها عادة في غالبية أعمالها، إلى جانب توظيفها للخط عبر استخدامها كلمات وجملاً ونصوصاً أدبية مختلفة تصب في الموضوع نفسه. وكل ذلك في سياق من البحث عن هذه المفاهيم الأساسية التي تشكل مجمل الأفكار السائدة عن الهيمنة الذكورية من وجهة نظرها. والفنانة لطفي أستاذة للتاريخ والحضارة العربية في الجامعة الأميركية في القاهرة. أما اشتغالها بالفن فكان في شكل مباغت منذ منتصف تسعينات القرن الماضي، حين كانت تدرس في إحدى الجامعات في الولاياتالمتحدة الأميركية حيث وجدت حينها أنها تمتلك من الوقت ما يكفي لإشباع رغبتها القديمة في البحث والتنقيب بين الأشياء المهملة لإعادة صوغها في شكل مختلف. فكانت تتجول داخل الأسواق لتجمع قطع الخردة والأشياء القديمة ثم تجلس أمامها ساعات، تتطلع إلى أشكالها، تبحث فيها عن تراكيب أخرى مغايرة لهيئتها المباشرة والمعتادة، وكم كانت سعيدة بهذا الأمر الذي حرك في داخلها أحاسيس ومشاعر قديمة من زمن الطفولة كانت تعتقد أنها قد تلاشت نهائياً من الذاكرة. تقول لطفي: «حين عدت إلى القاهرة كان قد تجمّع لدي الكثير من هذه التركيبات التي كنت أجهل ماذا أصنع بها فقد كنت متخوفة من فكرة عرضها، ولكن مع إلحاح الأصدقاء وتشجيعهم لي أقمت أول معارضي في الجامعة الأميركية في القاهرة عام 1996، ومن يومها بدا الأمر لي كما لو أنني أولد من جديد إذ لم أتوقف عن ممارسة التشكيل». وفي القاهرة، بدأت لطفي تتعرف على أسواق الخردة والأشياء القديمة خصوصاً سوق الجمعة ذلك السوق الشهير في قلب القاهرة، إضافة إلى بعض الأماكن الأخرى التي تبيع الأنتيكات، ثم توالت معارضها في مصر والخارج معتمدة في شكل أساسي على هذه الأشياء المهملة التي تجمعها بنفسها. واستطاعت عبر سنوات قليلة أن تحتل بأعمالها جانباً من المشهد التشكيلي الحداثي في القاهرة، حيث شاركت بأعمالها في عدد من المعارض المحلية والدولية، كما حصلت أيضاً على عدد من الجوائز المختلفة. ويستمر معرضها في القاهرة حتى منتصف آذار (مارس) الجاري.