بعدما أمضى أسامة سنوات عمره الثلاثين مواطناً أردنياً، ولد ونشأ وتعلم في المملكة، لم ينفصل فيها عن والديه إلا ليكون نواة أسرته الصغيرة أصبحت إقامته في مهب الريح. فقبل نحو سنتين سحبت جنسية أسامة ورقمه الوطني بأثر رجعي لقرار فك الارتباط عن الضفة الغربية لعام 1988، وأصبح هاجس إبعاده من البلاد وإجباره على العودة الى فلسطين يطارده في كل لحظة فهو أردني من أصول فلسطينية. يقول أسامة: «انقلبت حياتي رأساً على عقب! عشت في الأردن منذ ولادتي، وكنت أتلقى المعاملة نفسها التي يحصل عليها الأردنيون الى أن سحبت مني جنسيتي ما أفقدني كامل حقوقي المدنية». ويتابع: «سحبت مني الجنسية في يوم وليلة، وأنا نشأت طيلة حياتي في أحد أحياء عمان حيث أهلي وأصدقائي ومعارفي، والآن لا يُسمح لي بالبقاء ألا إذا جددت جواز السفر الموقت كل عام». وتبقى فلسطين بالنسبة لأسامه وطنه الأم الذي لن يتردد في العودة إليه في حال خَلُصت المفاوضات الى حلول عادلة. وحاله لا يختلف كثيراً عن حال 2700 عائلة سحبت السلطات الأردنية جنسياتها في السنوات الأخيرة، بحسب تقرير أعدته منظمة «هيومن رايتس ووتش» وكشفت عنه قبل أسابيع. تقرير المنظمة حول سحب الجنسية من أردنيين من أصول فلسطينية أثار حفيظة المجتمع الأردني حتى إن أكثرية حاملي الجنسية سارعوا الى مراجعة دائرة المتابعة والتفتيش للاطمئنان على سلامة أوضاعهم القانونية. التقرير بيّن أن «أحد تبعات قرار فك الارتباط بالضفة الغربية في عام 1988 كان أن الأردنيين من أصول فلسطينية من المقيمين في الضفة الغربية خسروا جنسيتهم الأردنية، إلا أن الأردنيين من أصول فلسطينية من الضفة الغربية أو القدس المقيمين في ذلك التوقيت في الأردن أو في دولة ثالثة، ظلوا يتمتعون بشكل عام بالجنسية الأردنية». الأردنيون الذين سحبت جنسياتهم ولدوا في غالبيتهم في الأردن، وتعايشوا مع السكان الأصليين منذ ما يزيد على الأربعين سنة ولديهم الانتماء الذي جعلهم ينتفضون على القرار. وبموجب إجراءات شطب الرقم الوطني أصبحت حقوقهم المدنية غير مكتسبة وهو ما زاد من معاناتهم، فما كان يمنح لهم في السابق نُزِع من دون سابق إنذار ما أدخلهم في حسابات لم تكن متوقعة. شريحة واسعة من الأردنيين ذوي الأصول الفلسطينية سارعوا إلى تصويب أوضاعهم. آخرون يترددون في مراجعة دائرة المتابعة والتفتيش حيث تجرى هناك معاملات سحب الجنسية كل بحسب وضعه، فيما نفت الحكومة الأردنية أن «تكون هناك عمليات سحب ممنهجة للجنسية من مواطنين»، مؤكدة أن ما يجري هو «تصويب أوضاع بموجب قرار فك الارتباط مع الضفة الغربية الصادر في عام 1988». وبالتزامن مع إعلان المنظمة عن تقريرها خرج وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال الدكتور نبيل الشريف بتصريحات تؤكد أن قرار «التصويب» يأتي استجابة لمطالب الفلسطينيين والدول العربية. وشدد الأردن من خلال الشريف على كل من يحمل تصريحاً بما يعرف ب «لمّ الشمل» بالإسراع لتجديده والمحافظة عليه للوقوف في وجه المخططات الإسرائيلية، معتبراً أن البلد يتعرض لهجمة شرسة عندما يتزامن إعلان التقرير عن سحب الجنسية، مع المخططات الرامية لشطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين». التقرير أكد في مضمونه أن «أطفال العائلات الذين سُحبت جنسياتهم يفقدون قدرتهم على الالتحاق بالتعليم الإبتدائي والثانوي المجاني، أما التعليم الجامعي يصبح أعلى من قدراتهم بسبب ارتفاع تكاليفه لغير المواطنين، والشيء نفسه ينسحب على تجديد رخصة القيادة، التي يتم تجديدها برسوم أعلى بكثير لغير الأردنيين ولفترات أقصر. ولكي يقيموا في الأردن، فإن الفلسطينيين الذين لا يحملون الجنسية الأردنية يحتاجون لتصريح إقامة ولا يمكن لغير الأردنيين الالتحاق بالعمل في الحكومة، وتواجههم صعوبة كبيرة في الحصول على وظائف في القطاع الخاص». كان مهند (26 سنة) يمضي إجازته الأسبوعية متنقلاً بين عمان وسورية لكسر روتين العمل، والآن أصبح غير قادر على مغادرة الحدود بعد أن شُطب الرقم الوطني، وأصبح غير قادر على زيارة جدته التي تسكن في سورية كما في السابق. ويضيف مهند إن «أبسط المعاملات والحاجات التي كان ينجزها في غضون ساعات أصبحت بحاجة الى أسابيع. توصيات التقرير دعت السلطات الأردنية بالسماح لغير الأردنيين بأن يمارسوا حقوقهم المدنية والاجتماعية والثقافية بحرية، بما في ذلك الحصول على الرعاية الصحية وحقهم في التملك، من دون تمييز بناء على الأصل أو الجنسية». وأوجبت المنظمة «إلغاء أي تمييز في القوانين والأنظمة الخاصة بالجنسية بناء على النوع الاجتماعي، مع تسوية القواعد لدى إلغاء هذه التمييزات»، أي أن تصب في مصلحة توفير تدابير حماية أقوى. الدكتور فوزي سمهوري مدير مركز الجذور لتنمية حقوق الإنسان أكد أن ما حصل ما هو إلا نزع للجنسية الأردنية من مواطنيها خلافاً لقانون الجنسية الأردنية الذي حدد ثلاثة شروط يحق بموجبها لمجلس الوزراء بموافقة الملك نزعها، وبيّن انه في جميع حالات سحب الجنسية التي اطلقت عليها الحكومة «تصويباً» لا تنطبق عليها أي من تلك الشروط. ورأى أن سحب الجنسية يتناقض مع القانون والمواثيق الدولية التي صادق عليها الأردن لأن الجنسية حق أساسي. وفي الوقت الذي أشار فيه الشريف الى أن عملية تصويب الأوضاع جاءت من اجل عدم إهدار فرصة الفلسطيني بالمحافظة على هوية، يؤكد السمهوري أن المادة 8 من معاهدة السلام الأردنية -الإسرائيلية تنص على المساعدة على توطين النازحين، وبالتالي فان نصوص المعاهدة لا تستقيم مع الهدف المعلن من قرار سحب الجنسية وهو عدم تفريغ الأرضي الفلسطينية من أبنائها. وبين السمهوري أن العدد الحقيقي لمن سُحبت جنسياتهم يتراوح بين 15-20 ألف مواطن وفق حساباته التي أخذت في الاعتبار أن متوسط عدد أفراد العائلة ويتراوح بين 5-7 وعدد العائلات المتأثرة من القرار وتبلغ حوالى ال 2700 عائلة. ويشير السمهوري الى أنه بموجب القرار فقد أُسقطت أو نُزعت حقوق هؤلاء المدنية والسياسية، وبالتالي فهو إجراء أحدث تمييزاً بينهم ونظرائهم ذوي الأصول الفلسطينية الذين يتمتعون بكامل الحقوق.