يعول قادة الرأي والحركات الإصلاحية في العالم على مشاركة الشباب في أي استحقاق انتخابي كمدخل للتغيير وتفعيل المؤسسات الديموقراطية وتقليص هيمنة السياسيين التقليديين والنيوتقليديين على مقاليد الحكم والإدارة تمهيداً للعبور الى نظام سياسي اجتماعي اقتصادي افضل. بيد ان هذه الآمال والطموحات شيء والواقع شيء آخر. فالرهان على إحداث مثل هذه التغييرات النوعية من منطلق ان الشباب هم اكثر الفئات الاجتماعية حراكاً وحماسة وأشدهم استجابة للأفكار التحررية وانجذاباً للإيديولوجيات التقدمية، قد ينعكس سلباً على تعدد فئاتهم العمرية وتباين مواقعهم الاجتماعية وتناقض مصالحهم وخياراتهم الفكرية والسياسية وتجاربهم الانتخابية السابقة. فعلى الصعيد الانتخابي يبدو أن هناك اختلافاً منهجياً في تحديد أعمار الشباب المؤهلين قانوناً لممارسة حقهم في الاقتراع. فمعظم دول العالم الثالث ومن بينها الدول العربية تحصر حق الترشح والانتخاب بمن بلغ الواحدة والعشرين في حين تمنحه الديموقراطيات الغربية لمن أتم الثامنة عشرة. كما أن الإحصاءات الرسمية واستطلاعات الرأي لم تلحظ عدد او نسبة المقترعين لهذه الفئة الأخيرة (وهي ذات وزن لا يستهان به في المعادلة الانتخابية) وتتوقف عند الذين تتراوح اعمارهم بين 18 و 27 ومقارنتهم بالفئات العمرية الأكبر سناً. ففي كندا تشير مؤسسة «لاروش» المتخصصة برصد الفئات العمرية المشاركة في الانتخابات العامة الى أن الشباب الذين تتراوح اعمارهم بين 18 و20 سنة وأدلوا بأصواتهم في الانتخابات الأخيرة، لم تتجاوز نسبتهم 15 في المئة مقابل 25,2 للذين تتراوح اعمارهم بين 21 و 27 سنة في حين بلغت نسبة اصوات الفئات العمرية الأخرى 62,8 في المئة، ما يعني انه كلما تدنت اعمار الشباب كلما انخفضت مشاركتهم لمصلحة الأكبر سناً. وفي اوروبا اظهر استطلاع اجرته مؤسسة «اندريه بليس» في تسع دول منها، ان عدد الشباب بين 18 و27 سنة يشكلون حوالى 75 مليوناً شارك منهم حوالى 29 في المئة في الانتخابات الأخيرة مقابل 71 في المئة للفئات العمرية الأخرى . اما في الولاياتالمتحدة الأميركية فالإحصاءت اكثر تفصيلاً وشمولاً وأشدها مفارقة. ووفقاً لاستطلاع اجرته وكالة «يونايتد برس» في الانتخابات الرئاسية عام 2008 ، وأظهر ان 22 مليون شاب تقل أعمارهم عن 30 سنة كانوا مسجلين على لوائح الشطب اقترع منهم 71 في المئة، لأول مرة «استجابة لشعار التغيير» الذي اطلقه باراك اوباما ابان حملته الانتخابية. علماً ان مشاركة الشباب في انتخابات 2004 لم تتجاوز 21 في المئة. وتصف الوكالة هذا الفارق الكبير بأنه «تاريخي وحالة شاذة قلما تتكرر مرة اخرى». مقابلات وآراء ومواكبة لهذه المعلومات جرى الوقوف على رأي شريحة من الشباب الكنديين في جامعة اوكام في مونتريال لمعرفة ميولهم وانطباعاتهم ومدى مشاركتهم في الاستحقاقات الانتخابية السابقة والمستقبلية (هذه الشريحة تعكس الى حد كبير موقف الشباب من الانتخابات في العالم الغربي). يقول ستيفان برجران (22 سنة) «أنا اعتبر ان الانتخاب حق وواجب ولكن فئة كبيرة من الشباب تعزف عن المشاركة في الانتخابات حتى ان بعضها ينسى أو يتناسى موعد ومكان الاقتراع وهذا ما يحول دون وصول بعض الشباب الى سدة البرلمان» ونتيجة لذلك، يضيف «نتهم بالسلبية واللامبالاة وننعت بالمراهقين والفوضويين». اما زميله جاك بوسولي (23 سنة) فينحو باللائمة على بعض الشباب المنخرط في لعبة الأحزاب السياسية التي «تمالئهم وتدغدغ أحلامهم وتستقطبهم بشعاراتها البراقة ولكنها ترفض ترشيح أي منهم بحجة عدم نضوجه الفكري وافتقاره الى التجربة والحنكة السياسيتين». وبعيداً من هذه الاتهامات تطالب كلود بريان( 19 سنة ) بتعديل قانون الانتخاب لجهة «تحديد كوتا للشباب في مقاعد البرلمان اسوة بمثيلتها المخصصة للنساء كي يتسنى لهم اسماع صوتهم للمسؤولين وعرض قضاياهم والدفاع عنها في الندوة النيابية». وترى ان مثل هذا المطلب «لا يتحقق الا بتأسيس احزاب ومنظمات شبابية مستقلة فاعلة ومؤثرة». ويجاريها في هذا الموقف غبريال مانو (20 سنة) الذي يرى ان «ان العيب فينا» ويتساءل «لماذا نتوحد في تحركاتنا الجامعية والمطلبية ونتفرق عند اي استحقاق انتخابي» مشيراً الى ان الروابط الطالبية الجامعية والمنظمات الشبابية بمعظمها تابعة لهذا الحزب او ذاك. اما الأوساط الفكرية والثقافية فتعتقد ان الشباب بغالبيتهم لم يصلوا الى مرحلة النضوج السياسي ويفتقرون الى تربية مدنية وثقافة ديموقراطية اعمق وأشمل وتواصل مستمر مع الشرائح الاجتماعية الأخرى. كما ان شعار التغيير الذي يدغدغ أحلامهم، لم يختمر بعد في نفوسهم ولم يترجم الى أي مكسب يمكن الاعتداد به. ولا غرو اذا ما أصيبوا بعد ذلك بالإحباط والتهميش وانصراف العديد منهم الى الاهتمام بشؤونهم التعليمية والمعيشية والتفكير بمستقبلهم بمعزل عن اي تنظيم حزبي او سياسي.