سمحت المحكمة الإدارية العليا في مصر أمس بتصدير الغاز إلى إسرائيل، لكنها أمرت في الوقت ذاته بوضع قواعد جديدة للتسعير. وأمرت المحكمة التي تعد آخر درجات التقاضي في محاكم مجلس الدولة المصري، ب «وقف تنفيذ قراري كل من رئيس الحكومة المصري ووزير البترول ببيع الغاز الطبيعي المصري إلى إسرائيل لعدم تضمينهما آلية للمراجعة الدورية لكمية الغاز المصدّر وأسعاره خلال مدة التعاقد». وقضت المحكمة بعدم اختصاص القضاء المصري بالنظر في الطعون ضد قرار الحكومة تصدير الغاز للأسواق الإسرائيلية باعتباره يندرج ضمن أعمال السيادة واعتبارات الأمن القومي المصري، ومن ثم يخرج عن الرقابة القضائية، لكنها في الوقت ذاته ألزمت الحكومة المصرية بوضع آلية للمراجعة الدورية لكمية الغاز المصدّر وأسعاره خلال مدة التعاقد، مع إلغاء سقف الاسترشاد بسعر البترول الخام عند حد 35 دولاراً للبرميل. وطالبت وزارة البترول المصرية بمراجعة الحدين الأدنى والأعلى لسعر الغاز إلى إسرائيل طبقاً للتطور والزيادة في أسعار الغاز والبترول في السوق العالمية وما يتفق مع المصلحة العامة لمصر. وقالت المحكمة في أسباب حكمها إن كل اتفاقات تصدير النفط والمشتقات البترولية والغاز، بالإضافة إلى اتفاقية كامب ديفيد الموقعة بين مصر وإسرائيل، أعطت الدولة العبرية الحق في أن تحصل على البترول المصري والغاز شأنها شأن أي دولة أخرى دون أدنى تمييز، مع مراعاة حاجات السوق المحلية وتلبية حاجات الشعب المصري أولاً. وأشار إلى أن مبدأ تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل ودول شرق البحر الأبيض المتوسط، هو «أمر سيادي بحت ويتعلق بالأمن القومي المصري، ولا سيادة للقضاء الإداري أو غيره عليه، إلا أن القرارات الصادرة من الحكومة في شأن تنفيذ تلك التوجهات السيادية - وحدها - محل رقابة القضاء»، موضحاً أن المخالفات في القضية تنطوي على عدم وجود آلية للمراجعة الدورية للحاجات المحلية التي تظل أولوية أولى قبل التصدير. ونبهت إلى أن الاتفاقية الخاصة بتصدير الغاز المصري إلى إسرائيل تضمنت حداً أقصى (السقف الأعلى لسعر التصدير) يبلغ 35 دولاراً لسعر خام نفط برنت، وآخر أدنى لسعر تصدير الغاز إلى الدولة العبرية، «الأمر الذي من شأنه الإضرار بثروة مصر من الغاز الطبيعي باعتباره مورداً طبيعياً حيوياً، ويتعارض مع المصلحة العامة، في ضوء أن الأسعار العالمية في صعود مضطرد بما يعني زيادة قيمة الغاز لمصلحة مصر وزيادة سعر التصدير». وحصل مقيم الدعوى السفير السابق في الخارجية المصرية إبراهيم يسري على حكم لمصلحته في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2008 من محكمة القضاء الإداري (أول درجة) بوقف تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل بأسعار تفضيلية متدنية تقل عن الأسعار العالمية، وأشار يسري في دعواه إلى أن مصر تخسر 9 ملايين دولار يومياً جراء هذه الصفقة التي كان لا بد من عرضها أولاً على مجلس الشعب لإبداء رأيه فيها بالموافقة أو الرفض على اعتبار أن الغاز المصري ملك للشعب وليس لشركة خاصة. وقال السفير السابق ل «الحياة»: «حصلنا على ما نريده (في الحكم أمس). القضاء أمر الحكومة بوقف تصدير الغاز إلى إسرائيل بأسعار تفضيلية تضر بالمصلحة العامة». وأشار إلى أنه سيتم إعلام الحكومة المصرية بحكم الأمس لتنفيذه. ولفت إلى أنه في حال امتنعت الحكومة المصرية عن تنفيذ الحكم «سنواصل النضال القضائي والطعن في شرعية الحكومة»، مؤكداً: «لن نتوقف عن مساعينا حتى توقف الحكومة المصرية صفقة بيع الغاز إلى إسرائيل». ويعد الحكم الصادر في جلسة أمس نهائياً وباتاً وغير قابل للاستئناف أو الطعن فيه بأي صورة من صور التقاضي. وكانت الحكومة المصرية (رويترز) قررت عام 2004 بيع فائض الغاز الطبيعي لديها إلى دول شرق البحر الأبيض المتوسط ومن بينها اسرائيل. وتدفق الغاز الطبيعي المصري إلى إسرائيل للمرة الأولى في أيار (مايو) 2008 تنفيذاً لاتفاق وقّع عام 2005 لتزويد اسرائيل بكمية تبلغ 1.7 بليون متر مكعب في السنة لمدة 20 سنة. ومع ارتفاع أسعار النفط لاحقاً قال معارضون مصريون إن السعر الذي يباع به الغاز الطبيعي المصري مجحف لبلادهم. وقالت الحكومة إنها تفاوضت حول مراجعة الأسعار مع المستوردين لكنها لم تقدم للمحكمة ما يرقى الى ما طالب به الحكم في مجال التسعير بحسب المصدر القضائي. وفي عام 2008 قالت الحكومة إنها أوقفت توقيع عقود جديدة لتصدير الغاز الطبيعي حتى 2010 بسبب زيادة الاستهلاك المحلي.