عارضات أزياء يقفن بأنوثة زائدة، مرتدين أحدث تقليعات الماركات العالمية. الرأس أضخم من الجسد بثلاث مرات أو أكثر. قصاصات ملابس لا تكاد تستر أجساداً توحي بالاستهلاك وقولبة نمطية لشكل الإنسان عموماً. الوضع الاستعراضي القريب إلى الابتذال، يجعل الشخوص الأنثوية للتشكيلي السوري قيس سلمان في غاليري «أيام دمشق» في العاصمة السورية، تستفز المارين إلى جانبها، محرضة إياهم على محاورتها ثم سؤالها: «من أنتن؟». نساء آسيويات أو ربما أوروبيات، لا جنسية واحدة محددة تميز انتماءهن. إحداهن تقف بتكوين عمودي ممسكة ثوراً صغيراً كلعبة، وأخرى تضع تاجاً بتباهٍ. ألوان متدرجة بين الأبيض والأسود والرمادي، مروراً بظهور مفاجئ لخطوط حمر. «السواد والبياض مقاربان لنيغاتيف يمكن أن تحضر الألوان بقوة فيه»، يقول سلمان ل «الحياة»، ويضيف: «أحب شخوصي، وموقفي التشكيلي يتلخص بالاعتراض على تشويه لجسد الرجل والمرأة نلحظه مثلاً خلال نزهة نمر بها في السوق». عمل سلمان كثيراً منذ تخرجه عام 2002، ليقدّم كائناته إلى ضوء ساحة العرض. فقصة تُروى عنه تختصر مسيرته، حين استيقظ صباح يوم أمام إحدى لوحاته والألوان الزيتية تملأ وجهه، كان لا يزال ممسكاً بلوح مزج الألوان من مساء اليوم السابق، ومن ثم حصل بعدها على الجائزة الأولى في المعرض السنوي الرابع للشباب في دمشق. لوحة سلمان المصنفة ضمن الأعمال المعاصرة تبالغ في تصوير القبح، بعيداً من التأثر أو الاقتباس من فنانين آخرين كما تجري العادة حالياً في الوسط التشكيلي السوري الشاب. تجارب تجريدية عدة بدأت بنسب تكوينية طبيعية للجسد طورها سلمان لتغدو علاقة التجريد مع الواقع التعبيري متناغمة، مستخدماً أخيراً نسباً كبيرة للرأس على حساب الجسد. فهم للعنصر أو الشخص جعل تحويل البشر من أشكالهم الواقعية إلى المجردة مفهوماً ومنجزاً في شكل غير مقصود. ويقول سلمان: «تحليل العمل الفني من الناحية الفرويدية جيد أحياناً، كون الثقافة البصرية للوحتي تحتاج إلى التفسير والمرادفات». لا يلتفت الفنان إلى ما يدور حول موضوعه، فالأمر برأيه يُختزل ب «حجة الشخوص القوية في شكلها ما يجبر على تصويرها». قلادة، وشم، ألبسة داخلية مزركشة، عباءات شفافة، تفاصيل يضيفها سلمان إلى الجسد، كفيلة بالتعبير عن وجهة أعماله، فتبدو الرؤوس الكبيرة غير قانعة بحاضرها، وخاوية في ملامحها إلا من زخرفة المكياج. الوضعية الجنسية المثيرة هاجس ملح لدى هذه الكائنات مذكرة بما يحدث على شاشات التلفزة المختلفة، من تعر واستنساخ بشري، «أجسد الغرابة، الصادرة عن تعقيدات الإنسان الداخلية، لتحدث البصمة القوية في مخيلة الزوار، لذا فالصدمة الواقعة من أثر اللوحات من أهم المحصلات الناتجة من جهدي التشكيلي» على حد قول سلمان. تبتعد المرأة عن صورتها الافتراضية في معرض الفنان السوري، ويرجع سبب التشوه إلى ما فرضه المجتمع من معايير جمالية جديدة. ويقول سلمان: «الشكل المحور العنيف، ليس وراءه أي تهكم وإنما نقد لاذع لتسويق الابتذال»، موضحاً أن استخدام الأنثى يقتصر على كونها نموذجاً مأخوذاً عن رداءة المجتمع. تناقش اللوحات الأربع عشرة في المعرض الرفض الصارم لشكل المرأة الحالي واقعاً، فكثيراً ما تَعبرُ في الحياة اليومية نساء يتشابهن في غرابة زيّهن مع كائنات سلمان «أريد صون جسد المرأة المباح، فالجمال البسيط لا يتضارب مع الموضة، هوس بتناسخ أشكال بعض النساء منقولاً عمّا تكرسه الميديا في أنحاء العالم، لن يحارب إلا بفضحه مصوراً ومجرداً». الاستفزاز القائم بين اللوحة وزائر المعرض المستمر حتى نهاية الشهر الجاري، يشير إلى عدم استساغة اقتناء الأعمال، ويقول: «لا أراهن أبداً على البيع، وترضيني إشكالية طرحي فقط، لن ترغب إذاً سيدة تشابه صورتها في الواقع ما جسد، أن تبتاع لوحة تذكرها بتشوهها». تطوير في المظهر والجنس ستخضع له الأشكال في معارض سلمان المقبلة، تاركاً مساحة لوجود الرجل إلى جانب المرأة «لا أعتمد على جسد الانثى إلا لأنني رجل، جذب الذكورة إلى لوحتي البيضاء سيوازي مستقبلاً حركتها الكرنفالية في الطريق أو الصالونات أو المنزل». فهل تُحتجز كائنات سلمان في الأدمغة فترة كفيلة لتفرد ريشته عن مثيلاتها؟ خصوصاً أن المهتم بالفن التشكيلي السوري بات غير قادر على تمييز أهميتها الحداثية؟