ليس العراق وحده هو الذي يتفكك ويحتاج الى علاج سريع قد لا تنجح الزيارة الخاطفة التي قامت بها هيلاري كلينتون في العثور عليه. الهاجس الاكبر امام ادارة باراك اوباما بات هاجس باكستان، تلك الدولة النووية المقيمة على الحدود الاستراتيجية بين العلاقة الوثيقة مع الغرب، باعتبارها محسوبة عليه، وبين السقوط في قبضة "طالبان" و "القاعدة" بفعل ضعف الحكومة المركزية في اسلام اباد والتنازلات التي يقدمها آصف زرداري لهؤلاء المتطرفين لحماية كرسي الرئاسة. ومثلما كان ارهاب 11 سبتمبر 2001 علامة فارقة اخذت ادارة بوش من اتجاه الى آخر، اكثر راديكالية وتطرفاً، فإن القلق الذي بات يثيره المشهد الباكستاني مرشح لإنجاب خطر كبير، ولتدخل مباشر من ادارة باراك اوباما، خصوصاً اذا اتسعت رقعة نفوذ المتطرفين في المناطق الشمالية الغربية واستطاعوا مدّ تحالفاتهم الى منطقة البنجاب، حيث تنشط "عسكر طيبة" والتنظيمات المشابهة. التحذير من التدخل الاميركي المباشر كان الاداة التي لجأت إليها واشنطن للضغط على باكستان لإجبار جماعة "طالبان" على الانسحاب من منطقة بونير التي تقدموا إليها من اقليم سوات. والخطر الذي بات يمثله هذا التوسع "الطالباني" كان واضحاً من خلال تحذير هيلاري كلينتون من انه بات يهدد الامن العالمي بأكمله. كما اعتبر الجنرال ديفيد بترايوس أن توسع "القاعدة" و "طالبان" يهدد وجود باكستان نفسها. وكان قد سبقه رئيس الاركان الاميرال مايك مولين الذي ابدى قلقه الكبير من تطور الوضع في باكستان، في الوقت الذي تعزز اميركا قواتها في مواجهة «طالبان» افغانستان. ويرى مسؤولون في ادارة اوباما ان تجاهل زرداري لخطر "طالبان" لا يشبه سوى ما فعله رئيس وزراء بريطانيا نيفيل تشامبرلين حيال الخطر الذي كانت تمثله النازية ونظام ادولف هتلر في الحرب العالمية الثانية. لهذا كان التحذير على لسان العسكريين الاميركيين الى حكومة اسلام اباد تحذيراً واضحاً: اما ان تجبروا "طالبان" على الانسحاب او نقوم نحن بذلك. وهكذا فعلت الحكومة الباكستانية ذلك مرغمة تحت الضغط الاميركي، وليس لحماية سلطتها، وهي التي تخلت عنها طوعاً على أمل شراء ولاء "طالبان" بعد المعارك التي شهدتها منطقة سوات بين هؤلاء والجيش الباكستاني. لكن التنازلات التي قدمتها الحكومة والمتعلقة خصوصاً بإعطاء قادة "طالبان" الحق في فرض القوانين التي يختارونها في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، لم تؤد كما كان مفترضاً الى إلقاء سلاحهم، بل على العكس زاد نفوذهم واخذوا يفرضون نمطاً من العيش في تلك المناطق يذكّر بأسوأ الايام التي كانت "طالبان" تتحكم فيها بأفغانستان. الدرس الذي لم تستفد منه حكومة باكستان من التجارب السابقة ان التسويات مع المتطرفين لا تساعد على بناء الحكم المركزي والدولة القوية، خصوصاً اذا كانت افكارهم من نوع الافكار التي تتبناها "طالبان"، التي تعتبر ان فرض قوانينها على المجتمع هو الحل الذي ينقذ باكستان من النفوذ الغربي ويحميها من التدخلات، مثلما كان الخيار الذي فرضته على افغانستان سابقاً، بالتحالف مع تنظيم "القاعدة". فالتنازلات الحكومية في مثل هذه الحال تفتح الباب امام مزيد من الانهيار الداخلي ومن تراجع سلطة الدولة، وهو ما تواجهه باكستان اليوم. ولا يهدد هذا الخطر باكستان وحدها. اذ من شأن هذا الوضع ان يصرف الأنظار عن المشكلة الافغانية، وهي التي يفترض أن تكون على رأس اهتمامات ادارة اوباما، كما قال المبعوث الاميركي ريتشارد هولبروك الاسبوع الماضي. فنموّ التطرف واتساع رقعة نفوذه على جانبي الحدود الافغانية - الباكستانية، وصولاً الى مسافة قصيرة من اسلام اباد، سوف يفرض على الولاياتالمتحدة خوض حربين بدلاً من حربها الاصلية، واحدة تورطت فيها اصلاً بسبب "طالبان"، واخرى لا تستطيع تجاهلها في بلد تشكل قدراته العسكرية وسلاحه النووي اكبر خطر يمكن ان يواجهه العالم اذا سقطت في ايدي الجماعات المتطرفة التي يسعى الرئيس زرداري الى التنازل امامها، بهدف وحيد هو الحفاظ على منصبه في مواجهة خصومه في الداخل.