دعا رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري البابا بنديكتوس السادس عشر وكبار المسؤولين في الفاتيكان، الى العمل على حماية لبنان والى ممارسة «كل الضغوط الممكنة على كل الدول المعنية لتجنب أي خطأ في هذه المرحلة أو أي مرحلة مقبلة في لبنان أو في الشرق الأوسط». وقال الحريري بعد لقائه لمدة نصف ساعة البابا في الفاتيكان ظهر أمس، ثم اجتماعه مع أمين سر الدولة الكاردينال تريشيزيو برتوني ووزير الخارجية الكاردينال دومينيك مامبيتي، إن زيارته للبابا والفاتيكان هي «زيارة يجب على أي رئيس وزراء في لبنان أن يقوم بها مرة أومرتين في السنة لأن هذا جزء من واجب أي رئيس وزراء أو رئيس جمهورية أن يكون هناك تواصل مع الفاتيكان وأن تكون هناك صراحة لنرى ما هي الهواجس». وعلمت «الحياة» أن كبار المسؤولين في الفاتيكان أبلغوا الحريري أنهم يعملون على الدوام على حماية لبنان من أي تهديد وأنهم يتابعون أوضاعه في شكل متواصل. وفيما تناول الحريري في اجتماعاته في الكرسي الرسولي عملية السلام، تلقى أثناء وجوده في إيطاليا اتصالاً من وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، تناول بحسب المكتب الإعلامي للحريري، «الجهود المبذولة لإعادة إطلاق عملية السلام وضرورة تطبيق القرار 1701 وحماية لبنان من جميع الأخطار الإقليمية المحيطة به». وإذ اعتبر الحريري رداً على سؤال حول ما نسب الى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بعد اتصاله برئيس الجمهورية ميشال سليمان والأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله قبل يومين، أن لبنان «هو سيد نفسه وهو يأخذ قراره كدولة ومؤسسات وحكومة»، أشار الى أن هذه الاتصالات «كانت للرد على تهديدات إسرائيل ضد لبنان». وبالتزامن مع زيارة الحريري الفاتيكان التي رافقته فيها عائلته التي أخذت الصور التذكارية مع البابا، خطا زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون خطوة جديدة على طريق تطبيع العلاقة مع رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، فزار منطقة الشوف ودار المختارة أمس وعقد خلوة مع الأخير بعد أن وضع إكليلاً من الزهر على ضريح كمال جنبلاط، يرافقه نواب ووزراء «تكتل التغيير والإصلاح» الذي يرأسه وقيادات من «التيار الحر»، ثم لقاء موسعاً وغداء أقامه جنبلاط على شرف الحضور. وأعلن عون «أننا لا نستطيع القول إنه لقاء مصالحة لأنها بدأت منذ زمن ولا مصارحة لأن المصارحة تمت». وأوضح «أننا في بداية مرحلة جديدة من حياتنا الوطنية التي ستؤسس لقرون من السلام لأننا أدركنا جميعاً عبثية الحروب وأن المدفع لا يبني الأوطان». وكان عون الذي اعتبر قادة تياره أن الزيارة تاريخية، زار قبل المختارة بلدة دير القمر، حيث كان ينوي وضع إكليل من الورد على ضريح داني كميل شمعون، لكن رئيس «حزب الوطنيين الأحرار» دوري شمعون رفض ذلك، ورفع محازبوه لافتات ضد عون دعته الى «الكف عن استغلال دماء الشهداء»، فيما تجمهر بعضهم أمام ضريح داني وعند مدخل البلدة ورددوا شعارات ضد عون، الذي انتقل الى كنيسة دير القمر حيث حضر قداساً، ثم ألقى كلمة اعتبر فيها أن «داني شمعون لا يمحى من ذاكرتنا ولأنه كان الأجرأ، قد يكون لهذا السبب استشهد». كما زار عون بعد المختارة بلدة بيت الدين ومعه جنبلاط حيث انتقلا الى دار المطرانية مع حشد شعبي. وقال عون في تصريحات: «من الآن فصاعداً قد نبحث المواضيع السياسية». وعما إذا كان سيتحالف مع جنبلاط في الانتخابات البلدية، قال: «كل شيء ممكن في ما بعد...». أما جنبلاط فركز في تصريحاته في المختارة وبيت الدين على أن «المصالحة تمت واللقاء هو من أجل تثبيت خط المصالحة والمصارحة». وقال: «عقدنا الصلح نهائياً وفتحنا صفحة جديدة ناصعة العام 2001 وختمنا الجرح الكبير مع الراعي الأكبر للمصالحة البطريرك (نصرالله) صفير ونستمر لعلنا نعلّم الأجيال ولا نقع في فخ لعبة الأمم التي كادت أن تدمّر وحدة الجبل، لكن وحدة الجبل تتكلل اليوم بحضور العماد عون». ورد عون معتبراً أن اللقاء تاريخي وأن الحروب الأهلية «لا تمحى إلا بعمل جريء يتخطى المعالجات التقليدية». وكان الحريري أعلن في مؤتمر صحافي في الفاتيكان أن البابا كان مهتماً «كثيراً بلبنان ووضع المنطقة ووضع المسيحيين والمسلمين والحوار وشجع على استمرار التواصل الدائم بيننا وبين الفاتيكان وطرح الأمور من خلال مبادرات تمكننا من التقدم عبر الحوار أو التوصل الى سلام في المنطقة». وأشار الحريري الى عضوية لبنان في مجلس الأمن وقال: «وهذا لا يعني فقط الأمن بالمعنى الذي نعرفه ولكن تلاقي الحضارات هو أمن أيضاً، والحوار هو أمن، والعيش المشترك كذلك، وهذه هي الرسالة التي نريد أن ننقلها بكل وضوح في لبنان، وكان هناك تفهم من قبل قداسة البابا». وشدد الحريري مراراً على العيش المشترك الإسلامي - المسيحي والاعتدال والحوار وعلى أن المناصفة بين المسيحيين والمسلمين «موجودة في دستورنا وطريقة عملنا وكلامنا الواضح والصريح حول المناصفة في الدولة، ومهما تكلمنا عن الحقوق إلا أنها إذا لم تكن موجودة في الدستور فهي لا تعني شيئاً». وإذ أكد أنه طلب من البابا تشجيع المسيحيين على المجيء الى لبنان، علمت «الحياة» أنه حدثه عن مشروعه الذي طرحه في بيروت عن تشجيع السياحة الدينية في لبنان. كذلك بحث الأمر مع أمين سر الفاتيكان ووزير خارجيته طالباً وضع لبنان على الخريطة السياحية للمسيحيين. وأشار الحريري الى أن هناك سينودس للشرق سيعقد في شهر أيلول (سبتمبر) أو تشرين الأول (اكتوبر) المقبلين في الفاتيكان لبحث وضع المسيحيين في الشرق الأوسط، «ونحن معنيون بذلك كحكومة ويجب أن نعرف كيف نحافظ على الصيغة في لبنان». وأمل الحريري أن يلبي البابا دعوته للمجيء الى لبنان. من جهة ثانية، علمت «الحياة» أن الحريري شرح للبابا الوضع في لبنان والجهود التي تبذل من خلال حكومة الوحدة الوطنية لتحقيق التوافق بين اللبنانيين والتقدم على طريق المزيد من الاستقرار. على خط مواز، قالت مصادر وزارية ل «الحياة» إن الحريري يدرس إمكان قيامه بزيارة جديدة لسورية في المرحلة المقبلة، على رأس وفد وزاري هذه المرة من أجل البحث في الملفات بين البلدين ومناقشة الاتفاقات المعقودة بينهما. وذكرت المصادر أن الحريري جمع من الوزراء المختصين ملاحظاتهم على تلك الاتفاقات، وأن أمر الزيارة لم يحسم بعد ولا موعدها. وقالت المصادر إن البحث يجري بأن تتم زيارة الحريري هذه قبل أن تحصل زيارة نظيره السوري محمد ناجي العطري الى بيروت، بخلاف ما قيل سابقاً.