قبل 37 سنة، وقف على أحد مفارق الطرقات في واشنطن بائع صحف أشعث الشعر ورثّ الثياب، منادياً: «أخبار المشردين»... «أخبار المشردين». وكان يبيع العدد الأول من صحيفة نصف شهرية صدرت حديثاً تحمل اسم «أخبار المشردين». والبائع نفسه كان قبل أيام قليلة من ذلك اليوم، مشرّداً ومتسولاً في شوارع العاصمة الأميركية وأزقتها المظلمة. ودشّن صدور تلك الصحيفة في العام 1972، ما بات يعرف ب «صحافة المشردين» التي تعنى بقضايا الفقراء المعوزين والمتسولين والمشردين... حتى أصبح في الولاياتالمتحدة وكندا اليوم، أكثر من 26 صحيفة متخصصة في هذا المجال توزع نحو 280 ألف نسخة كل أسبوعين. ويكتسب هذا الرقم أهمية خاصة إذا علمنا أن 744 ألف أميركي يجدون أنفسهم في الشارع يومياً لفترات زمنية محدودة، بحسب إحصاءات الاتحاد الوطني للمشردين أواخر العام 2007. وسرعان ما أصابت عدوى «صحافة المشردين» البلدان الأوروبية، من المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا... إلى إيطاليا وإسبانيا والنمسا، بعيداً من العالم العربي. واتُفق في هذه البلدان على تسمية تلك الصحف ب «صحف الشارع» التي ترجع عائداتها بالنفع على بائعيها بالدرجة الأولى، إذ يتقاضى هؤلاء مقابل بيع نسخة واحدة منها ما يعادل نصف ثمن الطبعة (2 يورو)، علماً ان الصحيفة الأكثر توزيعاً في العالم والمتخصصة بقضايا المشرّدين تصدر في العاصمة البريطانية باسم London Big Issue (قضية لندن الكبيرة)، التي توزع أكثر من 160 ألف نسخة أسبوعياً في غالبية المدن البريطانية. ويكمن الهدف الرئيسي لهذه الصحف، في تخليص تلك الفئة (المشردون والمتسوّلون) من نظرة المجتمع القاسية إليهم كأفراد غير منتجين وعاطلين من العمل وعالة على دافعي الضرائب. «ميديا» تسلط الضوء على تجربتين بارزتين في هذا المجال في كل من الولاياتالمتحدة والنمسا.