تعيش تركيا أجواء تهديد أمني خطر لم تشهده منذ الانقلاب الذي نفذه الجنرال الراحل كنعان إفرين عام 1980، خصوصاً مع دعوة القوميين إلى إعلان حال طوارئ وفرض حكم عسكري، فيما اتهم أبرز حزب كردي السلطات ب»إغراق البلد في حرب». وأقرّ ساسة بأن ما تعانيه تركيا الآن، قد يكون الأخطر في تجربة انعكاس حربها على «حزب العمال الكردستاني»، على وحدة نسيجها الوطني وتلاحمه، والعلاقة بين الأكراد والأتراك، ما أثار مخاوف من دخول البلاد في دوّامة شبيهة بأزمتَي العراق أو سورية. وبعد مقتل 31 جندياً وشرطياً في هجمات للمسلحين خلال ثلاثة أيام، جابت مجموعات قومية متشددة ثماني محافظات تركية، بينها العاصمة أنقرة، وهاجمت وأحرقت مباني ومقار ل «حزب الشعوب الديموقراطية» الكردي، والذي تعتبره السلطات واجهة سياسية ل «الكردستاني». ولليوم الثاني هاجم مؤيدون للحكومة مبنى صحيفة «حرييت» الليبرالية في إسطنبول، بعدما انتقدها الرئيس رجب طيب أردوغان. المهاجمون الذين كانوا يحملون عصياً، رشقوا المبنى بحجارة، مرددين عبارات تمجّد أردوغان وتهدد كتّاب الصحيفة بالموت. كما حاولوا اقتحام المبنى، مرددين «الله أكبر»، لكن الشرطة صدّتهم. وحاول قوميون مهاجمة صحيفة «صباح» الموالية لأردوغان، فتعهد رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو حماية كل وسائل الإعلام ومقار الأحزاب السياسية، داعياً المواطنين إلى «الهدوء ومعانقة بعضهم بعضاً، والثقة بالدولة». وحذر ساسة وكتّاب وصحافيون من «حزب الشعب الجمهوري» المعارض، من «تحويل تركيا عراقاً أو سورية»، مشددين على وجوب النأي عن الاستفزازات. وحض رئيس الحزب كمال كيليجدار أوغلو مواطنيه على «التعقل والحكمة»، لكن رئيس حزب «الحركة القومية» دولت باهشلي، دعا إلى إعلان حال طوارئ وفرض حكم عسكري ومنع التجوّل في محافظاتجنوب شرقي تركيا ذات الغالبية الكردية. في المقابل، أمر رئيس «حزب الشعوب الديموقراطية» صلاح الدين دميرطاش أعضاء حزبه بالتصدي لأي هجوم عليهم بالمثل وبقوة ومن دون تردد. وتحدث عن «هجمات تديرها يد واحدة، هي يد الدولة» تجاوزت 400 اعتداء خلال يومين. وأضاف: «لسنا مَن قرّر إغراق البلد في حرب وتكثيفها. لم نساند يوماً القرار الذي اتخذه الرئيس والحكومة. يريدون أن يقولوا لنا: إذا لم نحصل على 400 نائب، ستدفعون الثمن». واعتبر أن «الوضع الأمني» في تركيا جعل تنظيم انتخابات مبكرة مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل «مستحيلاً». والمفارقة أن حزبَي «الشعوب الديموقراطية» و «الحركة القومية» طالبا بتأجيل الانتخابات، فيما أكد داود أوغلو تنظيمها في موعدها، بينما رفض «حزب الشعب الجمهوري» إرجاء الاقتراع، معتبراً أن ذلك «يعني إطالة عمر حكومة يسيطر عليها أردوغان وحزب العدالة والتنمية». وأعلن دميرطاش أنه ووفداً يضمّ نواباً ومدنيين، بينهم علي حيدر كونكا ومسلم دوغان اللذان يمثلان «حزب الشعوب الديموقراطية» في حكومة داود أوغلو، سيقطعون مسافة 90 كيلومتراً سيراً على الأقدام للوصول إلى مدينة «جزرة» في محافظة شرناق جنوب شرقي تركيا، بعدما منعتهم الشرطة من الوصول إليها بسياراتهم، بأمر من رئيس الوزراء. وأشار إلى أن «حوالى 120 ألف شخص لم يتمكنوا من الخروج (من منازلهم) منذ ستة أيام، بسبب حظر تجوّل في جزرة» فرضته قوات الأمن، في إطار العمليات العسكرية ضد «الكردستاني». وشبّه دميرطاش حصار المدينة بحصار إسرائيل قطاع غزة، متعهداً بذل «كل ما في وسعه» لكسره. وتابع: «حتى أقسى الأنظمة في العالم تتيح للمواطنين الخروج ساعتين يومياً للتبضّع، لكن مواطني شرناق لم يخرجوا من منازلهم منذ ستة أيام، ويعيشون بلا ماء ولا غذاء».