أعلنت الصين أخيراً إجراءات للحد من توترات السيولة وتعزيز النمو الاقتصادي في البلد، بينها خفض مؤشرات الدولة للقروض والودائع 25 نقطةَ أساسٍ لتصل إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق عند 4.6 و1.75 في المئة على التوالي، ما من شأنه أن يخفض تكاليف التمويل ويعزّز الاستثمار في الأصول الثابتة. وأشار الخبير الاقتصادي في شركة «آسيا للاستثمار» كميل عقاد في تقرير إلى «خفض نسبة الاحتياط المطلوب للمصارف، أي الأداة التي تحدّد حيازة البنوك الاحتياطات، بمقدار 50 نقطة أساس، كما تشير التقديرات إلى أن خفض نسبة الاحتياط المطلوب سيؤدي إلى ضخ أكثر من 600 بليون يوان (94 بليون دولار) في المصارف». وأضاف: «بدّدت التحركات الأخيرة المخاوف في شأن التباطؤ الصيني وركود الأسواق، إذ عَزمت الحكومة الصينية على دعم الاقتصاد، ما أدى إلى استقرار أسواق الأسهم نهاية الأسبوع الماضي وعدم هبوطها كما في الأيام الماضية». وأكد «تنفيذ الإصلاحات الأساسية في الوقت ذاته، إذ عمل البنك المركزي الصيني على إزالة سقف سعر الفائدة على الودائع التي تُستَحق خلال سنة وأكثر، ولكنه أبقى سعر الفائدة عند 1.5 مرة لمؤشر الودائع القصيرة الأجل، كما عمل تدريجاً على تحرير سعر الفائدة على الودائع خلال العام الحالي، وزيادة حدها الأقصى من 1.2 مرة إلى 1.3 مرة في آذار (مارس) و 1.5 مرة في أيار (مايو) الماضي». وأشار عقاد إلى «زيادة التغييرات السابقة من تباين أسعار الفائدة التي تقدمها المصارف الصينية، ولكن أَبعَدت الخطوة الأخيرة بورصة الصين قليلاً عن تحرير سعر الفائدة كاملةً، محققةً إنجازاً ما كان ليتحقق قبل عامٍ واحد فقط». ولفت إلى «تحرير معدل الإقراض منذ العام 2013، ولكن لأن سعر الفائدة على الودائع كان ثابتاً، فإن تقلبات كلفة إقراض رأس المال التي تحدّد بسعر الفائدة بين المصارف كانت صغيرة، ما بدوره يمنع المصارف من تحديد الأسعار بحرية كاملة». وأضاف عقاد أن «العوائد من الودائع فقدت قدرتها على المنافسة، ما اضطر الصينيين إلى السعي لتحقيق عوائد أفضل في أماكن أخرى، وعلى رغم القيود المفروضة على الاستثمار في الخارج، خُصّص النقد في أي من الأصول المالية غير الخاضعة للوائح أو الممتلكات أو سوق الأوراق المالية، ما أدى إلى العديد من الانهيارات، إذ كان التقييد بأسعار الفائدة من الأسباب الرئيسة لانهيار بورصة شنغهاي أخيراً». وتابع: «إذا كانت المصارف بالفعل تملك كامل السيطرة على أسعارها، فمن شأن زيادة القدرة التنافسية تحسين تخصيص رأس المال والحد من الضغط على الأصول الأخرى التي تم التركيز عليها مطوّلاً، ولكن الحكومة الصينية لا تزال تحتاج إلى تخفيف القيود المفروضة على الاستثمارات الأجنبية، كما أن العامل الإيجابي للإجراء الأخير أنه يسمح للبنك المركزي بممارسة سياسة نقدية تقليدية، إذ يمكن أن تستهدف وتسيطر عليه أسعار الفائدة التي تحددها عوامل العرض والطلب». واعتبر عقاد أن «الجانب الإيجابي للتصحيح هو إجبار الحكومة على الإسراع في بعض الإجراءات، إذ عملت الصين مطوّلاً على تحرير الاقتصاد وضخ سيولة العام الماضي، وشمل تنفيذ سياسة الخمسة تخفيضات لسعر الفائدة منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، قبل الإصلاحات، ادّعاء رفع قيد اليوان وفتح سوق الأسهم للمستثمرين الأجانب». وأضاف: «لا شك في أن الإجراءات الأخيرة تتلاءم وأهداف الحكومة لتنفيذ الإصلاحات، في حين تسعى إلى الحد من عدم الاستقرار الاقتصادي والمالي». وأشار كبير الاقتصاديين في البنك المركزي إلى «تحرير أسعار الفائدة القصيرة الأجل قريباً، وإن كان الطريق لا يزال طويلاً، فإن الصين لم تتوانَ عن تحويل اقتصادها إلى اقتصاد قائم على الاستهلاك المتحرر، وعلى رغم مواصلة الاعتماد على التحفيز القائم على الاستثمار التقليدي، لا تزال الصين بعيدة جداً عن خط البداية إلى عكس مسار عملها». وفي هذه المرحلة، تحتاج السلطات الصينية للعمل على صدقيتها، والأهم من ذلك على شفافيتها، لأنها لا تزال في طريقها لفتح اقتصادها على العالم الخارجي.