تُعتبر أزمة «الكساد الكبير» التي واجهها الاقتصاد الاميركي قبل نحو 85 عاماً، من أكبر الانهيارات الاقتصادية التي عرفها التاريخ الحديث، حين دخل الاقتصاد الأميركي، العام 1929، في حال ركود، بخاصة في أسواق المال التي كانت الضحية الأولى لأزمة «الكساد الكبير»، إذ انخفض الإنفاق الاستهلاكي، وبدأت السلع غير المُباعة تتراكم، وتباطأ الإنتاج الصناعي، فيما واصلت أسعار الأسهم ارتفاعها، ووصلت إلى مستويات لا يمكن تحقيقها لأرباح مستقبلية متوقعة. وفي يوم «الخميس الأسود»، 24 تشرين الأول (أكتوبر)، العام 1929، حدث ما لا تحمد عقباه، وانفجرت فقاعة سوق الأسهم، وبدأ المستثمرون إلقاء الأسهم في شكل جماعي، وارتفع التداول إلى مستويات غير مسبوقة وصلت إلى 12.9 مليون سهم. وتبعه «الثلثاء الأسود»، 29 تشرين الأول (أكتوبر)، حيث تم تداول ما يقارب 16 مليون سهم بعد موجة أخرى من الذعر اجتاحت «وول ستريت»، ما أدى إلى انتهاء ملايين الأسهم بلا قيمة، بسبب وجود مشترين لها، وتم محو هؤلاء المستثمرين الذين اشتروا أسهماً «على الهامش» تماماً. واختفت ثقة المستهلكين في أعقاب انهيار أسواق المال الأميركية، وارتفعت مستويات البطالة إلى حد كبير، وأصبح ما يقارب من 15 مليون أميركي عاطلين عن العمل بعد إغلاق المصانع وانخفاض الانفاق الاستهلاكي والاستثمار. وانتقلت آثار الأزمة من الولاياتالمتحدة إلى جميع أنحاء العالم ك«النار في الهشيم» إلى جميع الأسواق العالمية، وخاصة في أوروبا والعالم. وأدت الأزمة في ألمانيا إلى انهيار جمهورية «فايمار»، وتلا ذلك ظهور النازيين؛ وفي فرنسا بدأت آثارها بالظهور، العام 1931، بينما اتخذت بريطانيا إجراءات قللت من حدة الأزمة، مثل تخفيض أسعار الفوائد. وعلى الرغم من تأكيدات الرئيس هربرت هوفر، وغيره من القادة، أن هناك اساليب لمواجهة الأزمة، إلا أن الأمور استمرت بشكل سيء على مدى السنوات الثلاث التالية. وانخفض الإنتاج الصناعي في الولاياتالمتحدة إلى النصف، وواجهت البلاد انخفاضاً في الخبز ومطابخ الحساء، وارتفع عدد المشردين في المدن الأميركية. وطالت الأزمة المزارعين أيضاً وتوقفوا عن حصاد محاصيلهم وتركوها تتعفن في الحقول والمزارع. وعادت البلاد مرة أخرى إلى الانتعاش مع «سياسية العهد الجديد»، العام 1933 التي وضعها الرئيس فرانكلين روزفلت، والتي نصت على وضع حلول للأزمة المصرفية، وإعادة فتح مصارف سليمة، وإصدار قوانين تمنع المصارف من التعامل بالأسهم. وأنشئت مؤسسات لرعاية ضحايا الأزمة من العاطلين عن العمل، بالإضافة إلى إصدار قوانين تحقق إعادة الاستقرار في قطاعي الزراعة والصناعة. وانتهت أزمة العام 1939 في بداية الحرب العالمية الثانية، بعد أن قرر روزفلت دعم الحلفاء ضد ألمانيا، ما أدى إلى إنتاج المزيد من فرص العمل في القطاع الحكومي والخاص، والتوسع في الإنتاج الصناعي الكامل، وانخفاض معدل البطالة.