لقيت جهود المملكة العربية السعودية في محاربة الإرهاب أصداء عالمية من خلال اعتمادها استراتيجية المواجهة الفكرية والمناصحة بالتوازي مع العمل الأمني، والإجراءات القانونية، إضافة إلى جهود محاربة الإرهاب على المستويين الدولي والعربي لتعزيز التعاون بين كل الدول والشعوب، وقطع مصادر تمويل ودعم الجماعات الإرهابية وتفعيل الآليات الدولية في هذا الشأن. وحظيت جهود المملكة في مكافحة الإرهاب باهتمام الأجهزة المعنية بمواجهة الأعمال الإرهابية، واستفادت بعض الدول من التجربة السعودية في التصدي لخطر الإرهاب، وتجفيف منابعه والوقاية منه. واقترنت مواقف المملكة الواضحة في رفض الإرهاب بتحرك كبير لتحقيق التعاون في مواجهة الجرائم الإرهابية، إذ أكدت في كثير من المناسبات رفضها الشديد وإدانتها الصريحة للإرهاب بجميع صوره وأشكاله وشجبها للأعمال الشريرة كافة، التي تتنافى مع تعاليم الإسلام وأحكامه التي تحرم قتل الأبرياء، وتنبذ كل أشكال العنف والإرهاب، وتدعو إلى حماية حقوق الإنسان. وحقق رجال الأمن نجاحات كبيرة في مواجهة «الفئة الضالة بإفشال أكثر من 95 في المئة من المخططات الإرهابية قبل تنفيذها، والوصول إلى عدد من الخلايا النائمة وتلك التي توارت تحت ضربات رجال الأمن». ووقعت السعودية اتفاقات لمكافحة الإرهاب، كما التزمت تنفيذ القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن، وصادقت على الاتفاقات والمعاهدات الدولية، منها الاتفاق العربي لمكافحة الإرهاب عام 1998، ومعاهدة منظمة المؤتمر الإسلامي لمكافحة الإرهاب عام 2000، واتفاق مجلس التعاون لدول الخليج العربي لمكافحة الإرهاب، إضافة إلى عدد من الاتفاقات الأمنية الثنائية مع دول عربية وإسلامية وصديقة. ويعتبرالمؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب الذي دعت إليه المملكة وعقد في الرياض في شباط (فبراير) 2005 واحداً من الجهود الكبيرة للمملكة في مكافحة هذه الآفة العالمية في إطار دولي، انطلاقاً من قناعة أثبتتها الأحداث، أن الإرهاب لا يقتصر على أبناء دين بعينه أو بلد دون غيره وأن النجاح في مواجهته يحتم تعاون جميع الدول. وجاء الإعلان الصادر في ختام أعمال المؤتمر الذي عرف ب «إعلان الرياض» ليؤكد أن الإرهاب «يمثل تهديداً للسلام والأمن الدوليين»، وليجدد موقف المملكة الرافض لكل «أيديولوجية تدعو إلى الكراهية، وتحرض على العنف وتسوغ الجرائم الإرهابية». وشدد إعلان الرياض على أن الأممالمتحدة هي «المظلة القانونية لتعزيز التعاون الدولي ضد الإرهاب، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة هي الأساس والمرجعية «. وبناءً على دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، لإنشاء مركز دولي لتبادل المعلومات والخبرات بين الدول وإيجاد قاعدة بيانات ومعلومات أمنية واستخباراتية تستفيد منها الجهات المعنية بمكافحة الإرهاب، تقدمت المملكة بمشروع قرار إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة يدعو إلى تشكيل فريق عمل لدرس توصيات المؤتمر وما تضمنه «إعلان الرياض» بما في ذلك إنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب وفق ما أعلنه ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران المفتش العام الأمير سلطان بن عبدالعزيز في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 أيلول (سبتمبر) 2005. واعتمدت المملكة استراتيجية شاملة لمحاربة الإرهاب (محلياً)، وحرصت على أن تشارك كل مؤسسات المجتمع في تنفيذ هذه الاستراتيجية، كل في مجال اختصاصه، ونجح علماء المملكة في إيضاح منافاة الإرهاب لتعاليم الإسلام، وما تمثّله الأعمال الإرهابية من اعتداء محرم على الأنفس المعصومة من المسلمين وغيرهم، وتفنيد مزاعم الفئة الضالة، التي تروّجها التنظيمات الإرهابية لتبرير جرائمها أو كسب أي تعاطف معها. وحضّ علماء المملكة عموم المواطنين والمقيمين في البلاد على التعاون مع الجهات الأمنية في التصدي للفئة الضالة والإبلاغ عن المتورطين في الأعمال الإرهابية، كما كان للعلماء دور كبير في مناصحة بعض المتأثرين بدعاوى الفئة الضالة في الوقت الذي كانت فيه الجهات الأمنية تحقق نجاحات متتالية في ملاحقة أعضاء هذه الفئة المتورطين بارتكاب جرائم إرهابية وتوجيه عدد كبير من العمليات الاستباقية والتي حققت نجاحاً كبيراً في إفشال مخططات إرهابية في عدد من مناطق المملكة. وحرصت القيادة السعودية في خضم معركتها مع الإرهاب على تكريم الشهداء من رجال الأمن ومواساة ذويهم وعائلاتهم، وتقليدهم أوسمة الشرف وأنواط الكرامة، تعبيراً عن التقدير الكبير لبطولاتهم وتضحياتهم. ولم يقتصر ذلك على شهداء وأبطال الأجهزة الأمنية فقط، بل حرصت الدولة على مراعاة مشاعر آباء وأمهات المتورطين بارتكاب الأعمال الإرهابية ممن ألقي القبض عليهم، وكان لذلك أكبر الأثر في عودة كثير منهم إلى جادة الصواب، في أعقاب عفو عن التائبين الذين يسلمون أنفسهم، وقد حققت هذه السياسة نتائج ممتازة، وأعلن بعض أعضاء الفئة الضالة توبتهم وتراجعهم عن الأفكار المنحرفة التي كانوا يعتنقوها. وعلى مستوى التشريع والقضاء، تم إنشاء محكمة خاصة للنظر في قضايا الإرهاب بمسمى المحكمة الجزائية المتخصصة، كذلك استحداث دائرة مختصة بهيئة التحقيق والإدعاء العام بمسمى «دائرة قضايا أمن الدولة» لتتولى التعامل مع مثل هذه القضايا وتوفير جميع الضمانات التي توفّر للمتهمين في قضايا الإرهاب وتمويله محاكمة عادلة، بما في ذلك حقهم في الدفاع عن أنفسهم وتعويض من تثبت براءته منهم مع البدء في درس إصدار نظام لمكافحة الإرهاب، وذلك في إطار تطوير الأنظمة واللوائح ذات العلاقة بالجرائم الإرهابية، وتكثيف برامج التأهيل والتدريب للجهات الأمنية المعنية بالمواجهة الميدانية المباشرة واعتماد عدد من الآليات لمكافحة عمليات تمويل الإرهاب. وتعددت جهود المملكة في مكافحة الإرهاب، بدءاً من برامج توعية طلاب المدارس والجامعات بخطورة الأعمال الإرهابية وحرمتها في الإسلام، والآثام التي تقع على مرتكبيها، وحضّت المعلمين والمعلمات على توعية الطلاب والطالبات بذلك وتوجيههم إلى الطريق الصحيح، وغرس حب الوطن وطاعة أولياء الأمور في نفوسهم. ركزت السعودية على تعزيز الأمن الفكري وخصصت يوماً دراسياً كاملاً لإقامة معرض في كل مدرسة عن الإرهاب والأعمال الإجرامية التي ارتكبها أرباب الفكر التكفيري وما نتج منها من قتل للأبرياء وتدمير للممتلكات ومقدرات الوطن، ونظراً إلى أن ظاهرة الإرهاب جاءت نتيجة لأفكار منحرفة، اعتمدت المملكة في جهودها لمكافحة هذه الظاهرة مبدأ مواجهها بضدها من خلال الحوار والمناقشة فكان إنشاء «مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية»، بهدف كشف الشبهات وتوضيح المنزلقات الفكرية التي يتبناها أصحاب الفكر المنحرف الذي يقود إلى الإرهاب، لإعادة الموقوفين إلى رشدهم وتصحيح مفاهيمهم من خلال الاستعانة بعلماء الشريعة والمختصين في العلوم الاجتماعية والنفسية والمثقفين ورجال الأعمال. كما تم إنشاء الكراسي العلمية التي تعنى بالأبحاث المتعلقة بالإرهاب في عدد من الجامعات السعودية، وفي مقدمها كرسي الأمير نايف لدراسات الأمن الفكري، وتشجيع الجهات المختصة على طباعة الكتب والنشرات وإصدار الأشرطة التي تدحض الأفكار المنحرفة، وتكثيف أنشطة رعاية الشباب والاهتمام بهم وتحصينهم من الاختراقات الفكرية ونوازع الغلو.