الشاعر والجميلة (1) اعتادت امرأة أن تضع صورة شاعر بالقرب من مرآتها، يرى أخوها الصورة فيمزقها، لكنها في كل مرة تأتي بصورة أخرى. لا بد من أن المرأة مغرورة، لأنها كانت تعتقد أن الشاعر – المشهور- لو رآها فستكون هي أجمل قصائده. لم تراسله، لأنها واثقة بنفسها إلى حد أنها مصممة على أن تقابله، لكنه مات من غير أن يلتقيا، ومن غير أن يعرف الشاعر شيئاً عما كانت تفعله المرأة. وردت هذه القصة القصيرة جداً في مجموعة منيرة الأزيمع (الطيور لا تلتفت إلى الخلف)، ولا بد من أن تلفت نظر القارئ لأنها وردت مرتين: مرة ضمن القصص، وأخرى على الغلاف الخارجي. لا بد أيضاً من أن يعرف القارئ الشاعر (محمود درويش)، لأن عنوان القصة (ورد أقل) وهو أحد دواوينه المعروفة. لا تستثير القصة مشاعر القارئ، ولا تورطه في أن يندفع تجاه قضية، تنأى به وتدفعه إلى أن يتأمل. تبعاً لذلك يمكنني أن أسجل ملاحظة أولية هي حضور الجميلة والشاعر، وتوق الأولى إلى أن تقابل الثاني أو العكس، وكون قدرهما ألا يلتقيا لأنهما لو التقيا فإن القصيدة ستكتمل في الحياة، وفي هذه الحالة لا تغدو القصيدة نصاً يُقرأ، إنما حياة تعاش. يفترض القارئ من القصة أن الشاعر مات وهو لم يكتب أجمل قصائده، لأنه لم يلتق هذه المرأة. في المقابل يفترض أن من حسن حظ قراء الشعر أنهما لم يلتقيا، لأنها هي المرأة الحلم التي يكتب الشاعر قصائده من أجلها. لو حضرت هذه المرأة في الواقع سيكتشف الشاعر زيف القصيدة التي يكتبها، وسيعرف أن جمال قصيدة لا يعادل جمال امرأة، وأن من الأفضل أن تعاش قصيدته بدلاً من أن تُكتب. ستكون علاقة الجميلة بالشاعر مألوفة لأي قارئ اطلع على كائنات أفلاطون. تذكرنا هذه القصة بتلك الكائنات التي كانت في الأصل كروية الشكل، لكن الآلهة، ولسوء سلوكها قسمتها إلى نصفين، ومنذ تلك اللحظة فإن كل نصف منها يحاول أن يصبح هو الكل، ولكي يصبح النصف كلاً فإنه في بحث دائم عن نصفه الآخر. أتكون المرأة هنا هي النصف الأول؟ أيكون الشاعر هو النصف الثاني؟ أياً كان التأويل فنحن نستدل بكائنات أفلاطون، وبالشاعر والجميلة في القصة على خبرة القارئ بالجميل في الشعر، وخبرته بالجميل في الواقع، ونشرح بهما نوع الحميمية التي يحتفظ بها الشعر، والحميمية التي ترتبط بالمرأة. وكما يقول (غدامير) في المرأة والقصيدة هناك شيء ما لا يقع في مجال ما نراه على نحو مباشر، ولا نفهمه على نحو ما يكون أمامنا، إنه يعرض شيئاً ما من ذلك النوع الذي نكون على معرفة به من قبل.