يحلم المسؤولون الكويتيون بارتقاء البورصة الكويتية من مرتبة الأسواق المبتدئة إلى الاسواق الناشئة على غرار بورصتي قطر ودبي، لكن هذا الحلم أصبح اليوم مهدداً بسبب موجة متصاعدة من الإنسحابات للشركات المدرجة في البورصة. وأعلنت 17 شركة انسحابها النهائي في شكل اختياري من بورصة الكويت خلال العام الماضي والحالي، من إجمالي 211 شركة كانت مدرجة في البورصة في مطلع العام الماضي. وأعلنت البورصة خلال هذه الفترة إلغاء إدراج خمس شركات بسبب افتقادها شروط الإدراج، سواء بسبب إيقافها لفترات طويلة عن التداول، أو بسبب تجاوز خسائرها 75 في المئة من رأس المال. في المقابل لم يتم خلال 2014 و2015 إدراج سوى شركتين جديدتين هما "فيفا" و"ميزان القابضة". وتعتمد ترقية البورصات على معايير عدة يتعلق بعضها بالاقتصاد الكلي ومدى تطوره، وكثير منها بالبورصة ذاتها، ونسبة تملك الأجانب فيها، والتشريعات التنظيمية للسوق ومدى التزام الشركات المدرجة قواعد الحوكمة. وتبرر الشركات انسحابها الاختياري بعدد من العوامل، أهمها ضعف حركة التداول وضآلة قيمتها اليومية والانخفاض المستمر للمؤشر الرئيس، بالإضافة الى المصاريف التي تتكبدها هذه الشركات سنوياً في مقابل الإدراج في وقت لا تزال تعاني فيه من تداعيات أزمة 2008. ويقول كثير من الخبراء إن الشركات المنسحبة تسعى الى تجنب المصاريف الإضافية التي ستترتب عليها نتيجة لتطبيق معايير الحوكمة، وفقاً لقانون "هيئة أسواق المال" من دون عائد ملموس. وهوى المؤشر الرئيس لبورصة الكويت بسبب الأزمة العالمية من مستوى 15667 نقطة في 25 حزيران (يونيو) 2008، إلى 5800 نقطة حالياً. وفي ظل التراجع الكبير الذي تشهده بورصة الكويت يجد كثير من الشركات المدرجة أن خروجه من السوق سيوفر نفقات كبيرة ويعفيه من عناء تلبية تعليمات "هيئة أسواق المال" وأوجه الرقابة. وتوقع مدير المجموعة المحاسبية في شركة "الصالحية العقارية" محمد المصيبيح مزيداً من الانسحاب للشركات الصغيرة، لا سيما في القطاع الاستهلاكي وقطاع العقار، وقال إن "تكاليف الإدراج وتلبية متطلبات الهيئة تصل في بعض الأحيان إلى نحو 20 في المئة من الأرباح الصافية لشركة لا تربح سوى مليون دينار في السنة". وتوقع أن تظل الشركات الكبيرة ذات الإمكانات الكبيرة فقط في السوق، ما سيؤثر سلباً على القيمة المتداولة يومياً في البورصة لأن الشركات الصغيرة "هي ملح السوق"، وكثير من المضاربات يحدث على أسهمها، بينما يكون من الصعب المضاربة على الأسهم الثقيلة التي تحتاج إلى أموال طائلة. وأضاف أن هذا الأمر سيؤثر سلباً على إمكانات ارتقاء البورصة الى وضع الأسواق الناشئة لأنه "إذا ضعفت السيولة والمضاربة فلن يكون هناك إمكان للترقية". وقال الرئيس التنفيذي ل "شركة الفارابي للاستثمار" فؤاد عبدالرحمن الهدلق إن "ظاهرة الانسحاب من البورصة لن تؤثر كثيراً على الخطوات الحكومية الرامية لترقية بورصة الكويت، والتي تمثل آخرها في إقرار تعديلات جديدة على قانون الهيئة". وأقر البرلمان الكويتي في نيسان (ابريل) الماضي تعديلات وصفت بالمهمة على قانون "هيئة أسواق المال" الذي صدر للمرة الاولى في 2010، وأعرب مسؤولون حكوميون ونواب حينها، عن أملهم بأن "تؤدي هذه الخطوة الى جذب مزيد من المستثمرين وتساهم في رفع بورصة الكويت الى مرتبة الأسواق الناشئة". وترقب كثيرون إقرار هذه التعديلات لمواجهة ما يعتبرونه "قيوداً" فرضها القانون الأصلي على عمليات التداول والاستحواذ والمضاربات ويرون أنها أدت إلى "عزوف المستثمرين وهبوط شديد في قيم التداول اليومية". وأوضح الهدلق أن الشركات المنسحبة من البورصة صغيرة جداً ولا تمثل تداولاتها سوى ما بين ثلاثة إلى أربعة في المئة من القيمة الإجمالية، وبالتالي لن يؤثر غيابها كثيراً على البورصة التي تعتمد بشكل رئيسي على الشركات الكبيرة مثل "زين" و"بيت التمويل الكويتي" و"أجيليتي" و"بنك الكويت الوطني" والتي لا تفكر مطلقاً في مثل هذه الخطوة. ويشكو صغار المستثمرين عادة من أنهم باتوا المتضرر الأكبر من قرارات الخروج من البورصة التي يتخذها غالباً المساهم الأكبر بالاتفاق مع مجموعة المساهمين الكبار، اذ تتحول حصص صغار المساهمين إلى سلعة عسيرة التداول، بالاضافة إلى انخفاض قيمتها السوقية. وشكك مدير "شركة العربي للوساطة المالية" ميثم الشخص في مساعي ترقية البورصة الكويتية في ظل التراجع المستمر للمؤشرات ولأسعار الأسهم مبيناً أن "الكثير من المستثمرين ممن اشتروا بهدف الاستثمار قصير الأجل سجلوا خسائر كبيرة". وأضاف: "أن الهدف الرئيس من إدراج الشركات في البورصة هو الحصول على سيولة مالية من مستثمرين لم تعد موجودة في ظل الهبوط الحاد للقيمة اليومية المتداولة في البورصة"، واعتبر أن "قواعد الحوكمة التي يتم تطبيقها على الشركات المدرجة في البورصة لا تناسب الكثير من الشركات على رغم التعديلات التي طرأت عليها".