أمير المنطقة الشرقية يستقبل رئيس محكمة الأحوال الشخصية بالدمام    قوات الاحتلال تعتقل 11 أسيرا فلسطينيا مفرج عنه من الخليل    لبنان يرفض محاولة إسرائيلية لمقايضة تحديد الحدود والانسحاب باتفاق تطبيع    دول مجلس التعاون تخطو خطوات كبيرة وقيّمة لمكافحة الإسلاموفوبيا    جامعة الأمير سلطان تحصل على براءة اختراع لحماية حقوق المحتوى الرقمي    الهلال الأحمر بالمدينة يباشر أكثر من 8000 بلاغًا منذ بداية رمضان    إقامة الافطار الرمضاني لهيئة الصحفيين بمكة من أعلى إطلالة في بقاع المعمورة    التزام راسخ بتعزيز الأمن والاستقرار في العالم.. ولي العهد.. دبلوماسية فاعلة في حل الأزمات الدولية    بمشاركة حكومة دمشق لأول مرة.. المؤتمر الأوروبي لدعم سوريا.. ماذا يريد الطرفان؟    ترامب يحذر الحوثيين: حان وقتكم.. سنحاسبكم بالقوة المميتة    الأخدود يصعق الأهلي بهدف قاتل    ولي العهد يبحث مستجدات الأحداث مع رئيسة وزراء إيطاليا    اللجان الأولمبية الإفريقية تعترف بالاتحاد الدولي للهجن    مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية يعقد اجتماعًا لمناقشة التقارير وإصدار التوصيات    أسواق    انطلاق «بسطة خير» لتمكين الباعة الجائلين    "أبشر" تتيح تجديد رخصة القيادة إلكترونياً    تعزيز البيئة الاستثمارية في مكة    «المداح.. أسطورة العهد» مسلسل جديد في الطريق    "سعودية" تبتكر تقنية متطورة لتوثيق نبضات الأجنة    823.9 ريالا فارقا سعريا بين أسعار الغرف الفندقية بالمملكة    جمعية «صواب» تطلق مشروع «العزيمة» للتعافي من الإدمان بجازان    «ستاندرد آند بورز» ترفع تصنيف المملكة وتشيد بحراكها نحو تحفيز الاستثمار    هل تتعرض أمريكا للهجرة العكسية    ربط حي السفارات بشبكة النقل العام عبر حافلات الرياض    اختصاصي شؤون طلابية: احموا المدارس من العدوى    فتاوى الحوثيين تصدم اليمنيين    مبابي يقود الريال لكسر عقدة فياريال    جبل أم القصص وبئر الصداقة!    إطلاق مبادرة "بسطة خير السعودية" بالواجهة البحرية بالدمام    موعد مباراة الأهلي القادمة بعد الخسارة أمام الأخدود    بدعم المملكة.. غينيا تحتفي بالفائزين في مسابقة القرآن    مسجد الجامع في ضباء ينضم للمرحلة الثانية لمشروع الأمير محمد بن سلمان ضباء - واس ضمّت المرحلة الثانية لمشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية مسجد الجامع في مدينة ضباء بمنطقة تبوك، نظرًا لكونه أحد أقدم المساجد التاريخية ورمزًا تراثيًا في ا    مراكيز الأحياء.. أيقونة رمضانية تجذب أهالي جازان    كعب أخيل الأصالة والاستقلال الحضاري 1-2    وغابت الابتسامة    سفيرة المملكة في فنلندا تدشن برنامج خادم الحرمين لتوزيع التمور    الأذان.. تنوعت الأصوات فيه وتوحدت المعاني    خلافة هشام بن عبدالملك    انفجار العماليق الكبار    جمعية "شفيعاً" تنظّم رحلة عمرة مجانية لذوي الإعاقة والمرضى وكبار السن والفئات الاجتماعية برفقة أهاليهم    الصحة تجدد التزامها بحماية حقوق المرضى    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالتخصصي يستأصل ورماً كبيراً بمحجر العين بعملية منظار متقدمة    القسوة ملامح ضعف متخف    ودية تعيد نجم الاتحاد للملاعب    قائد القادسية تحت مجهر الانضباط    الأخضر يستعد للتنين بالأسماء الواعدة    «سلمان للإغاثة» يوزّع 1.390 سلة غذائية في محافظتين بالصومال    تركي بن محمد بن فهد يطلق عددًا من المبادرات الإنسانية والتنموية    حكاية كلمة: ثلاثون حكاية يومية طوال شهر رمضان المبارك . كلمة : بئير    أبرز العادات الرمضانية في بعض الدول العربية والإسلامية.. فلسطين    من العقيدة إلى التجربة.. قراءة في أنسنة الدين    طويق جازان في مبادرة إفطار مرابط بالحد الجنوبي    وفاة الأميرة نورة بنت بندر آل سعود    إطلاق 16 كائنًا فطريًا في محميات العلا    نائب أمير منطقة مكة يستقبل رئيس المحكمة الجزائية بجدة    عَلَم التوحيد    فرع هيئة الصحفيين بجازان يحتفي بيوم العلم السعودي بالتعاون مع فندق جازان ان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أي علمانية تستوي من دون «الدولة الأمة» ؟
نشر في الحياة يوم 15 - 02 - 2010

في الملف الذي أعده موقع «الأوان» الإلكتروني، وأصدر مقالاته مجموعةً في كرّاس بعنوان «مفهوم العلمانية»، مقالان للصديق الأستاذ ياسين الحاج صالح «أية دولة تقتضي العلمانية فصلها عن الدين؟» و «هل العلمانية ممكنة في بلد واحد؟» أثارا سجالاتٍ في ذات الملف، فيما يأتي تعقيب على بعض الأفكار التي طرحَها في مقاليه آنفي الذكر، إلى جانب مقاله المنشور في الحياة بعنوان «العلمانية كسردية صغرى» (ملحق تيارات 31/1/2010).
تبدو كلمة «دولة» بمعناها المجرد، مسرحاً لاقتران العلمانية بها، إذا بسطنا العلمانية واختزلناها في فصلٍ للدين عن الدولة، أو فصل تلك عن ذاك، على أنه لا بد من استفاضة لاقتران الدولة بالعلمانية وتماهيها بها، من منطلق عمومية المقدس الأيديولوجي والسياسي المتجاوز تابوات الدين، وإن شملها. ففي سياق الحديث عن علمَنة المجتمع، لا يجوز التبسيط في إسباغ الإشكالية العلمانية والديموقراطية على الدين وحده، على علّات تداخل هذا الأخير مع المجال السياسي والمجتمعي، إذ يقابَل التابو/ المقدس في الحقل والذهنية اللاهوتية بلاهوت سياسي، نعني به تيارات فكرية وسياسية قومية أو اشتراكية، كانت ذات باعٍ طويل في تحويل الأيديولوجيا والخلفية الفكرية التي قامت نظمها عليها، إلى محرّمات ومحظورات أمنية لا تقل مخاطر الاقتراب منها عن تبعات الشك والنقد تجاه اللاهوت الديني الميتافيزيقي، من ضمن الفكر الديني أو من خارجه.
عطفاً على ذلك... فإن الانقلابات العسكرية التي أوصلت جل الأنظمة العسكرية منذ ما بعد نكبة 1948 إلى الحكم، قد تحولت مرجعية أيديولوجية وسياسية مقدسة، بخطابها الثوري ودعواتها (الميثولوجيّة والميتافيزيقية أيضاً، من باب المفارقة)، مقرونة بقداسة الأشخاص والأفكار والرموز، وعبادة الأيديولوجيا المعممة قسراً على مجتمعات وذهنيات قامت على المقدّس وأدمنته.
كلام عامّ! لا بأس في ذلك على ما نظن، طالما ان التخصيص لن يكون ناجعاً لسببين، أولهما ضيق المساحة المسموحة لهذا النص المنشور، وثانيهما أن في هذا الكلام ما ينطبق على معظم البلدان العربية على تفاوت الدرجات فيها لجهة هذا الموضوع. إن الدولة التسلطية الأوتوقراطية التي تمتاز المجتمعات العربية بالعيش في كنفها، هي أبعد ما تكون عن العلمانية وإن ادعتها، كائنةً ما كانت أيديولوجيا حكم ونظام تلكم الدولة، فالعلمانية صارت ذات بعد أوسع من التبسيطية التي قام عليها عصر الأنوار في أوروبا، عنينا اقتصارها على فصل الدين عن الدولة، أو الكنيسة عن الدولة في الحالة الأوروبية، فهي ضرورة تاريخية لنهضة ديموقراطية لأي مجتمع يريد ان يوجد على خريطة الإنسانية، وتالياً الحداثة، بعيداً من قروسطوية التقت على تكريسها النظم القومية والدينية والاشتراكية، وهي لا تفرَض من فوق على ما شهدت تونس أيام الرئيس الحبيب بو رقيبة، حيث اقترنت التغييرات الخجولة في بعض قوانين المرأة والأحوال الشخصية، بما نشهده حتى اليوم في تونس من قبضة أمنية صادرت الدين والسياسة واحتمالات العلمنة، وهلمّ جرا على بلدان عربية أخرى... العلمانية هي حالة تطورية تدل على درجة نضوج المجتمع وبنيته وطبيعة العلاقات المتمايزة عن علاقات وروابط ما قبل المواطنة، وهو ما لن يكون إلا في ظل نظم ديموقراطية تساوي بين الأفراد والجماعات في الحقوق والواجبات، وتساوي في النظرة لهم من منطلق المواطنة والحريات وضمن مجتمع مدني لا ديني، يعود فيه الدين على إطار القناعات والممارسات الشخصية، دون النظر إلى التفاضل بين الانتماءات الإثنية والدينية والمذهبية، وحتى الطائفية، وذلك ما لم تكفله أنظمة القسر والمصادَرة. هنا يتماهى الإصلاح الديني المنشود مع الإصلاح السياسي الذي يبدأ أولاً بنزع عباءة القداسة والصفة الدينية عن السياسة، أي بتعبير آخر «محاولة إنتاج شرعية زمنية للسياسة بالتوازي مع الإصلاح الديني» بحسب الزميل حازم صاغيّة.
كل هذا يأخذ بعداً سياسياً ومجتمعياً بالدرجة الأولى، قبل الجانب الفكري أو الفقهي الفيلولوجي في الحقل الديني الذي له مجاله المختلف، والذي سيكون تحصيل حاصل في ظل نظام ديموقراطي علماني يكفل حرية الاعتقاد الدينية وغير الدينية لسائر أفراده ومكونات مجتمعه، كما حرية التفكير والبحث والنقد.
نقطة أخيرة تقتضي التنويه، وهي عموميةُ وهيمنةُ الوعي الديني والاجتماعي المتخلف على العقلية الشعبية، سنضرب عليها مثلاً لا حصراً ما يتعلق بالمرأة وحرياتها الشخصية، فهنا تلتقي في معظم البلدان العربية وفق تشريعاتها وقوانين الأحوال الشخصية فيها... الذهنية الشعبية البوليسية مع مصادرة حريات المرأة وبشكل مقونن، لجهة حقها ونصيبها في الميراث، والطلاق والزواج، وحق الاقتران مع رجل من طائفة أو دين مختلف، على نحو ما نشهده في بعض البلدان العربية من قوانين تحمي بشكل غير مباشر مرتكبي جرائم الشرف تجاه الأخت أو الزوجة أو الأم، بحيث لا تتجاوز عقوبة السجن ضده 9 أشهر أحياناً بعد التخفيض الذي ينص عليه قانون العقوبات، في حال القتل «بدافع الشرف» كما يسمى.
يبقى أن نقول إن السائد والمترسخ على المستوى المجتمعي والسياسي لا أفق لحله حلاً قسرياً كما أسلفنا، بل في سياق صيرورة تاريخية تطورية ذات علاقة بالجانب السياسي والديني المنعكس بدوره على الجانب الاجتماعي والموروث والتقاليد الاجتماعية البالية، أي في ظل وعي ومعطى تطوري تاريخي بدوره، متوافقاً مع المقصد العلماني ذاته، أي مع «كفالة الحريات الدينية والمساواة بين المواطنين بصرف النظر عن عقائدهم» كما يقول الأستاذ ياسين، وهذا ما تكفله دولة أمة تبقى بعيدة عن التحقق والرسوخ، أقله في المدى المنظور.
* كاتب سوري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.