يشكّل اقتراب بداية العام الدراسي هماً وحملاً ثقيلين على معظم الأسر الأردنية، إذ تستنزف التحضيرات له معظم مداخيلها في ذلك الشهر، لاسيما أن لدى غالبيتها أكثر من أربعة تلامذة، لأن معدّلات الإنجاب لا تزال مرتفعة في الأردن. ويحتاج التلميذ في المدرسة الحكومية إلى ملابس جديدة وحقيبة، فضلاً عن مستلزمات مدرسية من دفاتر وأقلام وغيرها، تأكل معظم راتب والده، على رغم أن أسرته لا تسدد أقساطاً، في مقابل اضطرار الأسر التي ترسل أولادها إلى مدارس خاصة، إلى الاستدانة من أجل تأمين رسوم التسجيل، خصوصاً إذا كانت من الطبقة الوسطى. وتظهر سلسلة مسح السكان والصحة الأسرية وفقا لتقرير صدر عن دائرة الإحصاءات العامة أخيراً، انخفاضاً جوهرياً في معدّل الإنجاب الكلي في الأردن، إذ بلغ 3.5 ولد خلال العام 2012 في مقابل 7.4 في المئة في العام 1976. ويشير التقرير إلى تغيّرات اجتماعية واقتصادية ساهمت في حصول تحولات هامة في الأنماط التقليدية المرتفعة للإنجاب في الأردن، منها تراجع ظاهرة الزواج المبكر عما كانت عليه في الماضي، وزيادة نسبة مساهمة المرأة في النشاط الاقتصادي. ويشكّل تلامذة المدارس الحكومية القسم الأكبر من أعداد الطلبة في الأردن، بسبب ارتفاع أقساط المدارس الخاصة قياساً إلى مداخيل غالبية الأسر الأردنية، بما يفوق قدراتها. ويبلغ عدد الملتحقين بالمدارس الخاصة حوالى 318 ألف تلميذة وتلميذ من أصل مليونين مسجلين في 1055 مدرسة منها 4 مدارس أجنبية. ويقول أحمد الأخرمي الذي يعمل موظفاً حكومياً في دائرة الأحوال المدنية، وهو أب ل4 أبناء ثلاثة منهم على مقاعد الدراسة، إن بدء العام الدراسي يشكّل له هماً كبيراً ويحتاج إلى تدبير كثير لتجاوز أزمته، مشيراً إلى أنه يستنزف معظم راتبه، على رغم أن أبناءه الثلاثة مسجلون في مدارس حكومية. ويضيف الأخرمي أن الثلاثة يحتاجون إلى حقائب مدرسية جديدة، إضافة إلى تسديد رسم تبرعات مدرسية وقرطاسية، تساوي كلها أكثر من ثلثي راتبه، لافتاً إلى أنه يدخر القليل من المال عادة لمثل هذا الوقت، غير أن هذا القليل لم يعد يساعده على تغطية حاجات أبنائه، خصوصاً أن لديه طفلاً رضيعاً يحتاج إلى حفاضات وحليب اصطناعي ما يقضي على بقية راتبه. ويؤكّد أنه لولا توفير المدرسة كتب المناهج لأبنائه التي تساوي أثمانها معظم راتبه، لما استطاعوا الالتحاق بالعام الدراسي. في المقابل، يضطر محمود اللبدي، المهندس في شركة للمشاريع العقارية، في مستهل كل عام دراسي إلى الاقتراض من البنك لدفع نصف القسط المدرسي لأبنائه الأربعة، المسجلين في مدرسة خاصة. ويوضح أنه لجأ إلى «خيار مدارس القطاع الخاص من أجل مصلحة أبنائي، لأن مستوى التعليم في المدارس الحكومية تدهور أخيراً»، مشيراً إلى أن المعلمين «لم يعودوا من طينة أولئك الذين عرفناهم أيام طفولتنا»، مضيفاً أنه كان لدى المعلّم قدر كبير من الهيبة الاجتماعية، «لكنه فقدها أخيراً مع تراجع أحواله المعيشية بسبب تقلّص راتبه، بينما لا يجد وحش الأسعار من حد لأطماعه وشراهته في الاعتداء على جيب المستهلك». ويجد اللبدي أن معلمين كثراً باتوا غير مكترثين بوظيفتهم، بعد أن أضحت لا تساوي شيئاً، مع تضخّم الأسعار، ما دفعهم إلى عدم الإخلاص في عملهم، وهذا ما تثبته نتائج امتحانات الثانوية العامة الأخيرة، وكان الملفت أن أحداً لم ينجح في 400 مدرسة حكومية. ويتدبّر صبحي ناجي، المياوم في شركة للتنظيفات والأب لخمسة أولاد في المدرسة، أمره من خلال «جمعية» مع زملائه، بحيث يكون يحين دوره لتسلّمها سنوياً بالتزامن مع بدء العام الدراسي، وعلى رغم ذلك لن يكفي المبلغ مع دخول أبناء جدد له إلى المدرسة عاماً بعد آخر. ويؤكد أن التعليم أصبح شاقاً على أرباب الأسر ذات الدخل المحدود، على رغم مجانية المدرسة، فإضافة إلى تكاليف الحقائب والقرطاسية يحتاج أبناؤه إلى مصروف يومي وأجور مواصلات. وكانت دراسة نشرتها «المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات» أخيراً، أظهرت أن متوسط معدّل دخل الفرد في الأردن بلغ 4852 دولاراً، فيما أظهرت بيانات مسح العمالة والبطالة السنوية الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة لعام 2014 أن ما نسبته 51 في المئة من العاملين يتقاضون رواتب تتراوح بين 400 و500 دولار. وتعتبر متواضعة جداً، ولا تمكّن صاحبها من إعالة أي تلميذ في المدارس الخاصة، التي يتراوح متوسّط أقساطها بين 3 – 5 آلاف دولار سنوياً، قياساً إلى مستوى المدرسة.