ينكأ الشاعر الدكتور موسى عباس جراح القصيدة، في ديوان بعنوان: «الآفلون» (دار بيسان)، فيقايض الدم بالعشب والموت بالحب. في قصائده يسافر عبر دروب تمتد من بابل إلى آخر المنافي، لا يترك للقارئ فسحة للتأمل في موسيقى تفعيلاته المنسابة كحلم طفل إلا و يستمرئ الصملاخ العربي، بأنات من الوجع الدفين على وتر مبحوح، يرتشف قهوة الشعر وخيبات الأمل، و يرسف في التيه كجذع نخلة يأبى على الاقتلاع على رغم الجدب الذي يحيط به. يوزع عناوين قصائده بعناية نسّاج دمشقي ما بين استحضار للتاريخ لقراءة وجع المنافي، وفقْد أمنيات صغيرة. من تلك العناوين: اعتذار، أشياء صغيرة في الغربة، هارون الرشيد لاجئاً، تأريخ.... ولا تبدو قصيدته متنبأة بعصر فكتوري بقدر ما هي منحازة لآلام ناظم حكمت وغجرية البياتي عبر محطات القطارات، لم يعد يذكر أن له وطناً «عرفت ذات يوم أن لي وطناً» إلا حينما يدلهم المساء، فتشتعل جذوة الحنين في ذاكرته غير أنها تنكص على عقبيها حينما لا ترى من يواري سوءة الوطن ف«ينبت الطغاة كالفطر على الأفواه والعيون». ويصبح الوطن رغيف خبز. هكذا تسجى حنين كلماته الممتد في الديوان الأول له في 123 صفحة من القطع المتوسط، بعد خمسين عاماً من الصمت الجريح.