بعد 47 سنة على صدور قانون الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وعدم تنفيذ نظام الشيخوخة في لبنان الذي تراكمت في شأنه مشاريع القوانين وتشبّعت بالدرس والنقاشات، وآخرها موجود في المجلس النيابي بعدما أقرّته اللجان النيابية عام 2008 وبات يحتاج إلى إقرار الهيئة العامة، لإدخال تعديلات لحظها أطراف الإنتاج، هل يُبصر هذا النظام النور خلال العهد الحالي، ويؤمّن اللبناني شيخوخة سعيدة وكريمة؟ سؤال ينتظر جواباً من وزير العمل اللبناني بطرس حرب، الذي وضع المشروع في أولويات برنامجه، وبدأ في اللبنة الأولى بتنظيم حوار بين الأطراف المعنيين، للوصول إلى تحقيق الإصلاحات في الصندوق وإقرار مشروع قانون التقاعد والرعاية الاجتماعية. استهل حرب ورشة العمل التي نظّمها وشارك فيها وزراء المال ريا الحسن والتنمية الادارية محمد فنيش والصحة محمد جواد خليفة، مؤكداً أنها «ليست عادية»، لأن «المسائل المطروحة تتعلق بقانون الضمان الاجتماعي وموازنات فروعه وحل مشكلة العجز في بعضها وحسم موضوع الضمان الاختياري، وآفاق استثمار أمواله المربحة، وصولاً إلى إعادة طرح قانون التقاعد ونهاية الخدمة، وضمان الشيخوخة بغية إقراره». لذا اعتبر أن «أي استنفار للمحاسبة يقابله تمرّس في الدفاع، وكلاهما كفيل بإجهاض توجهاتنا الإنقاذية، ما يحتم علينا في بحثنا، الذي أتمسك بموضوعيته، تفادي الانزلاق في تحميل مسؤوليات الخلل الحاصل لهذا الفريق أو ذاك، والانكباب بروح المسؤولية على إيجاد الحلول ووضع الإستراتيجيات المبنية على العلم لتأمين المستقبل المشرق». ودعا إلى «اعتماد أسلوب يقضي بالتطلع إلى الأمام بحكمة وروية وشجاعة، بحيث نستطيع طمأنة الناس إلى أننا قررنا مجتمعين، إطلاق عجلة الإصلاح بغية تحقيق الخير العام». واعتبر رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي روجيه نسناس، في افتتاح ورشة العمل التي استضافها المجلس، أن مبادرة حرب لعقدها في المجلس تعكس «أهميتين، الأولى تتمثل في تزامنها مع مطلع عهد رئيس الجمهورية ميشال سليمان ومع مباشرة المجلس النيابي الجديد مهماته برئاسة الرئيس نبيه بري، ومع انطلاقة الحكومة الجديدة برئاسة الرئيس سعد الحريري. وتؤكد الثانية دور المجلس وحرصكم على استعادة مكانته». وشدد على ركيزتين، تتمثل الأولى ب «المسؤولية الاجتماعية وهي حافز لتفعيل التنمية، وليست عبئاً على أحد». وتظهر الثانية أن النهوض الاقتصادي والاجتماعي «بات يحتاج الى رؤية اقتصادية واجتماعية شاملة ومتكاملة». وأمل في «تشكيل هيئة المجلس العامة قريباً، كملتقى للحوار بين الهيئات الاقتصادية والقوى العاملة والمجتمع المدني والدولة». صندوق الضمان ولاحظ المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي محمد كركي، أن بعد مرور خمسة عقود على ولادة قانون الضمان، «لم تطرأ عليه التعديلات الكافية لمواكبة الضرورات المستجدة». ودعا في المدى القريب إلى «استكمال مراحل تعميم المكننة على أعماله، وهي قطعت شوطاً كبيراً، وتبسيط الإجراءات الإدارية، وملء الشغور في الملاك الذي تجاوز 40 في المئة، وإعادة التوازن المادي إلى فرعي ضمان المرض والأمومة والتعويضات العائلية وتأمين استدامة التمويل والجباية، والتفكير الجدي في طرق جديدة للتمويل عبر بعض الضرائب والرسوم المتخصصة، وإعادة النظر في نظام الضمان الصحي الاختياري وتأمين توازنه، وتنظيم العلاقة مع الجهات الصعبة المتعاقدة مع الصندوق انطلاقاً من مبدأ التعرفات العادلة». وعلى المديين المتوسط والبعيد، شدّد كركي على ضرورة «إصدار قانون التقاعد والحماية الاجتماعية، والمراسيم التطبيقية لوضع فرع طوارئ العمل والأمراض المهنية موضع التنفيذ، وما يلزم من نصوص وصولاً إلى ضمان جميع اللبنانيين، وتوسيع مظلة التقديمات، والبدء في إعداد الدراسات لإقرار حق تعويض البطالة، وتوحيد الأجهزة الضامنة تحت مظلة الصندوق». ورأى رئيس مجلس إدارة الصندوق طوبيا زخيا، أن «ما ينقصنا في لبنان هو توفير الحد الأدنى العادل والدائم من الضمان الصحي»، ولم يسقط إمكان «تطبيع العلاقات بين الصناديق الضامنة بإنشاء بطاقة صحية موحدة لجميع اللبنانيين». وأكد ضرورة «الاهتمام بالأخطار غير المغطاة حالياً مثل العناية بالأسنان والنظارات وحوادث العمل والأمراض المهنية». واعتبر أن «كل نظام صحي دائم ليس فاعلاً إلاّ إذا راعى آلية منطقية معينة»، اختصرها ب «حماية اجتماعية متناسقة تشكل أولوية الترابط الاجتماعي، واقتصادية يجب أن تكون متناغمة مع اقتصاد البلد، وإدارية بحيث تكون متوافقة مع أنظمة البلد، وفلسفية، أي أن مبادئها تحترم حقوق الإنسان». وأوضح حرب في مستهل كلمته حول غياب جمعية الصناعيين أن «ليس الهدف تغييب أي شريك في العقد الاجتماعي»، آسفاً لغيابها وآملاً في حضورها في ورش العمل»، لأن «الدعوة وجهت إلى رئيس الجمعية الذي هو وزير السياحة»، ولفت الى «وجود صناعيين مشاركين من ضمن نقابات ومؤسسات وبالتالي فالجمعية لا تُعتبر مغيبة». ورأى أن لقاءنا في هذه الورشة، يهدف إلى «العودة إلى الأصول والمبادئ التي قام عليها الضمان الاجتماعي، وتأكيد التزامنا النسق الحواري». ورفض «منطق إدارة الأزمات، بل على العكس قررت إيجاد حلول لما يعاني منه الصندوق ولشكاوى الناس». كما أن «هدفنا الحقيقي إطلاق الحوار لوضع خطة عمل بعيدة المدى، وبدء تنفيذها فوراً، وتحديث الإدارة ونقلها من عصر المعاملات الورقية الطويلة، إلى عصر الحداثة الذي يحمل فيه المضمون بطاقة صحية تسمح له بالاستفادة من التقديمات الصحية والاستشفائية من دون مراجعة الإدارة». ويرمي «هدفنا الآخر إلى تعميم الضمان الاجتماعي، وإعادة إطلاق عملية إقرار مشروع قانون التقاعد والرعاية الاجتماعية ونهاية الخدمة بعد إدخال التعديلات اللازمة التي نتفق عليها، إضافة إلى تحديث قانون الضمان وإخضاعه للرقابة الملائمة». قانون التقاعد والرعاية الاجتماعية وخُصّصت الجلسة الأولى من الورشة لمشروع قانون التقاعد والرعاية الاجتماعية ونهاية الخدمة، وأعلن رئيس الجلسة النائب عاطف مجدلاني، أن الصندوق، «يعاني من أزمة حادة». وعدّد المشاكل، ومنها «غموض عدد المستفيدين الفعليين من تقديمات الضمان»، ملاحظاً «فرقاً بين إحصاءات دراسات مستقلة تفيد بأنهم 700 ألف، فيما الصندوق يشير إلى ما بين 1.2 و1.5 مليون مستفيد، فضلاً عن وجود 300 ألف أجير في القطاع الخاص لا يستفيدون لأنهم مكتومون». واستغرب «ارتفاع متوسط التقديمات للمضمون الواحد بنسبة 38 في المئة في سنة واحدة، وكلفة التشغيل المرتفعة التي تتراوح بين 11 و15 في المئة»، من دون أن يغفل «العجز المالي المتمادي في فرع المرض والأمومة الناتج من خفض الاشتراكات». وأوضح أن مشروع التقاعد «في عهدة الرئيس نبيه بري الذي يدرك اهمية تسريع إعادة طرح هذا الملف على المناقشة». وعرض عضو مجلس إدارة الضمان رفيق سلامة، مشروع القانون ومرتكزاته، مفنّداً طرق تمويل أنظمة التقاعد، وأكد أن «تقويم أي نظام تقاعدي ينطلق من معيارين، هما قابلية النظام للحياة مالياً بحيث يستمر تدفق الواردات الكافية لتغطية الالتزامات من دون إرهاق الاقتصاد، وقدرة النظام على توفير تقديمات عادلة تحفظ كرامة المتقاعدين وتحميهم من العوز». وأكد أن لبنان «يحظى بفرصة فريدة للمضي قدماً في ما هو من أهم الإصلاحات الاجتماعية منذ عقود، اي إنشاء نظام تقاعد جديد». وتحدث الخبير الإكتواري بشارة حنا، طارحاً ثلاثة سيناريوات لمشروع التقاعد. وعدّد الأمين العام لجمعية مصارف لبنان مكرم صادر، ثغرات تعتري مشروع قانون التقاعد الموجود في اللجان النيابية، الذي «لم يُعرض على الهيئة العامة لتحفّظ الاتحاد العمالي والهيئات الاقتصادية لأسباب مختلفة». ومن هذه الثغرات أنه «يضاعف تقديمات الضمان والاشتراكات فيما يُبقي على بنية مؤسساتية وإدارية هشة جداً، كما أن نسبة الاقتطاع لتأمين الضمان الصحي للمتقاعدين والبالغة 2,5 في المئة عاجزة عن توفير التمويل، مشيراً الى دراسة للجمعية أظهرت الحاجة الى اقتطاع ما بين 7,5 و10,5 في المئة من كتلة الأجور». ورأى ممثل الاتحاد العمالي العام فضل الله شريف، أن نظام التقاعد والحماية الاجتماعية الذي ينتظر إقراره كفرع من فروع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي «يحل محل نظام تعويض نهاية الخدمة بتعديل المواد 49 الى المادة 54 من قانون الضمان، لأن الاقتراحات الهادفة الى إنشاء مؤسسة عامة جديدة لإدارة هذا النظام، سينتج الأخذ بها تعقيدات وصعوبات عند الفصل بين الصندوق والمؤسسة الجديدة، لجهة جداول التعويضات العائلية والتقديمات الصحية وتحصيل الاشتراكات» وتختتم الورشة أعمالها اليوم.