يكتنف الغموض مستقبل العديد من الأحزاب السياسية في مصر بعدما ضربتها عواصف الانشقاقات والخلافات الداخلية، قبل الانتخابات التشريعية المقبلة والتي ستتابعها 87 منظمة غير حكومية بينها 6 منظمات أجنبية. فقبل أيام من إعلان فتح الباب أمام قبول أوراق المرشحين على مقاعد البرلمان البالغة 468 مقعداً، لم تتبلور حتى الآن خريطة المنافسات. فمساعي تشكيل التحالفات الانتخابية لا تزال في طي النقاشات والشد والجذب، بينما لم تفرّق رياح الخلافات الداخلية بين الأحزاب التقليدية والأحزاب الوليدة المحسوبة على الثورة المصرية، الأمر الذي يهدد الحصة النيابية للأحزاب السياسية لمصلحة المستقلين الذين بدأوا مبكراً استعداداتهم لخوض المنافسات. وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أصدر قبل أسبوع قراراً جمهورياً بتشكيل اللجنة العليا للانتخابات برئاسة رئيس محكمة استئناف القاهرة القاضي أيمن عباس. ويُتوقع أن تعلن اللجنة فتح الباب أمام قبول أوراق المرشحين أواخر الأسبوع الجاري، على أن ينطلق الاقتراع على مرحلتين في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل. وتضم اللجنة في عضويتها اثنين من نواب رئيس محكمة النقض بصفة أصلية وعضوين احتياطيين لهما من نواب رئيس محكمة النقض، كما شمل القرار تعيين اثنين من المستشارين من نواب رئيس مجلس الدولة بصفة أصلية واثنين من المستشارين في مجلس الدولة بصفة احتياطية واثنين من المستشارين من رؤساء محاكم الاستئناف بصفة أصلية واثنين آخرين من مستشاري محاكم الاستئناف بصفة احتياطية، على أن تباشر اللجنة مهمة إتمام انتخابات مجلس النواب. وكانت الخلافات الداخلية قد ضربت حزب الوفد (أقدم حزب ليبرالي مصري)، بين جبهة يقودها رئيس الحزب السيد البدوي، وجبهة «إصلاح الوفد» التي يقودها منافسه السابق على رئاسة الحزب فؤاد بدراوي. وطالب «الإصلاحيون» برحيل البدوي، قبل أن يطيح هو بهم خارج أسوار الوفد، فأعلنوا تشكيل تيار «إصلاح الوفد» وتدشين مقرات خاصة بهم وخوضهم غمار المنافسة على البرلمان، ما فاقم الأوضاع المتأزمة أصلاً داخل أعرق الأحزاب المصرية. كما شهد حزب «الدستور» المحسوب على «ثورة 25 يناير» والذي أسسه نائب الرئيس السابق محمد البرادعي، صراعاً داخلياً هو الآخر، على منصب رئاسة الحزب، تفجّر بعد خلافات على لائحته الداخلية، ما دعا رئيسته الدكتورة هالة شكر الله إلى إعلان استقالتها. وتوقّع الخبير السياسي في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي أن تحصل الأحزاب السياسية مجتمعة على نسبة تصل «بحد أقصى إلى نصف عدد مقاعد البرلمان، والنصف الآخر سيذهب إلى المستقلين وفسيفساء من كل ألوان الطيف، غالبيتهم من نواب الخدمات وكبار العائلات والأثرياء»، معتبراً أن المستقبل الغامض للأحزاب هو انعكاس «للخلافات التي تضربها من الداخل، بالإضافة إلى قانون الانتخابات السيئ والذي يدعم المستقلين وأعطى انطباعاً بأن المقاعد المخصصة للمنافسة بنظام القوائم (120 مقعداً) ستكون أقرب للتعيين، أي قائمة محسوبة على الدولة فرص نجاحها هي الأكبر، أما المقاعد المخصصة للمنافسة بنظام الفردي (448 مقعداً) فستغلب عليها العصبيات والأموال». ولدى مصر نحو 95 حزباً سياسياً غالبيتها ستخوض غمار المنافسة على التشريعيات، لكن الشوبكي يتوقع أن نحو 80 حزباً بينها «مرشحة للاختفاء عقب الاستحقاق البرلماني المقبل، فالطبيعي أن يكون لدينا بحد أقصى 10 أحزاب كبيرة تتنافس في ما بينها». ويرى الشوبكي أن خريطة المنافسة على الانتخابات ستتصدرها على الأرجح أحزاب محسوبة على نظام الرئيس السابق حسني مبارك، وحزب «النور» السلفي، لكنه تابع أن «الوفد باسمه وتاريخه يجعله دائماً من الأحزاب المهمة... لكن لن يحصل على النسبة المنتظرة على الأرجح». وتوقع أن يكون حزب «المصريين الأحرار» الذي أسسه البليونير المصري نجيب ساويرس «رقماً في المعادلة الانتخابية»، أما الأحزاب المحسوبة على الثورة المصرية فلن يكون لها - وفق ما قال - وزن كبير تحت قبة البرلمان الجديد، باستثناء حزب «المصري الديموقراطي الاجتماعي».