عيّنت صحيفة «لوموند» الفرنسية امرأة في منصب مدير تحرير. هي سيلفي كوفمان التي أصبحت أول سيدة تتربع على عرش الصحيفة العريقةمنذ تأسيسها قبل 65 سنة. لا تخفي سيلفي كوفمان (54 سنة) شعورها بالفخر لتوليها منصب مديرة تحرير صحيفة «لوموند» (العالم)، إحدى الصحف الفرنسية الكبرى وأشهرها. لكنها في المقابل لا تغفل الصعوبات التي تترقب مواجهتها في أداء عملها وتفضل النظر إليها باعتبارها تحديات، في ظل الأزمة العامة التي تعيشها الصحافة المطبوعة نتيجة احتدام المنافسة بينها وبين وسائل إعلامية أخرى، كالتلفزيون مثلاً. وأعلنت كوفمان التي تعد من النساء النادرات اللواتي يتولين مثل منصبها في الصحف الفرنسية، انها عندما تبلغت تعيين رئيس مجلس إدارة «لوموند» اريك فوتورينو لها مديرة للتحرير، بدا الأمر طبيعياً بالنسبة إليها كون الصحيفة «بمثابة أسرتي منذ أكثر من 20 سنة وأعرف تقريباً جميع العاملين فيها». وأكدت كوفمان في تصريح إلى «الحياة» أن التعيين مصدر فخر كبير لها، لكنه أيضاً «تحدٍ هائل»، كونها تعرف الصحيفة جيداً وتشعر «بالراحة التامة وبأقصى قدر من الاندماج مع العاملين فيها»، وتعرف أيضاً التحديات التي تواجهها، و«هذه مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتقي اليوم في ظرف صعب بالنسبة إلى الصحافة المطبوعة عموماً». ومن المهم بالنسبة إلى كوفمان أن تكون تسلمت منصبها بعد تجاوز «لوموند» مرحلة الاضطرابات الداخلية التي عاشتها في الفترة السابقة والأزمات المتلاحقة التي تسببت أحياناً في عدم نزولها الى الأكشاك. ولفتت الى أن «غياب الأزمات الداخلية والصراعات بين تيارات مختلفة، إيجابي جداً»، وأن أوضاع الصحيفة «باتت تتسم بالهدوء في ظل إدارة مستقرة وجهاز تحريري متعاون»، وبالتالي «أنا مرتاحة جداً لعدم وجود معارك داخلية يتوجب عليّ خوضها». والمعركة الفعلية بالنسبة إليها تندرج في إطار السوق الإعلامية، وهذا ما تعتبره كوفمان بالغ الصعوبة، وإنما «يمثل في الوقت ذاته فرصة بالنسبة إلينا لأنها سترغمنا على التحول». ولفتت الى ان هذا الرهان الذي تواجهه «لوموند»، مطروح على غالبية الصحف الكبرى في العالم، «فإما أن تتحول أو تزول، وعلينا الدفاع عن بقائنا وتقبل الوضع باعتباره تحدياً، لا بل فرصة نستغلها للتطور جذرياً وبالعمق». وعن وجهة هذا التحول وما لديها من أفكار في هذا المجال، قالت كوفمان إن «الأولوية الآن باتت تقضي بعدم الاكتفاء بالنسخة المطبوعة للصحيفة، بل إرساء نوع من التبادل بينها وبين النسخة الموضوعة على شبكة الإنترنت، والتي انطلقت مبكراً وتحظى بانتشار ملحوظ في الدول الفرنكوفونية». ورأت أن هناك منفعة متبادلة بين النسختين، إذ أن فريق النسخة الإلكترونية «في حاجة الى جهاز تحرير النسخة المطبوعة، وكذلك فريق العاملين على الموقع الإلكتروني للصحيفة يحتاج الى خبرة الجهاز التحريري، خصوصاً أن هؤلاء أكثر عدداً؛ وتعزيز التعاون بين النسختين سيتيح لنا تحديث أسلوب التحاور مع قرائنا والتمتع بانتشار أوسع نطاقاً». وبفضل هذا التعاون، «فإن طبيعة عملنا الصحافي ستتطور بدورها لأنها ستجبرنا على التزام خيارات أكثر دقة» بالنسبة إلى مواد النسخة المطبوعة، بحيث «تقدم للقارئ الذي يشتري الصحيفة معلومات معمقة جداً مثل التحقيقات والتحاليل والريبورتاجات التي تشكل قيمة مضافة على الخبر الآني الذي سيكون متوافراً على الإنترنت». وعما إذا كانت تعتزم إضفاء بعض الشباب على الصحيفة التي هرمت الى حد ما، أشارت كوفمان الى دقة هذا الموضوع، إذ أنه «ينطوي على نوع من التناقض، إذ يتوجب علينا أن نتطور، ولكن لدينا في الوقت ذاته جزءاً مهماً من القراء المحافظين جداً المتمسكين بتقاليد الصحيفة، لذا، عند كل خطوة نقدم عليها علينا أن نكون يقظين، بحيث نجدد قراءنا ونجذب الشباب منهم من دون أن نثير إحباط القراء التقليديين». وأكدت أن الحرص على هذا التوازن «لن يلغي معالم التغيير التي ستبدأ بالظهور تباعاً ابتداء من الربيع المقبل، خصوصاً أن التغيير بات يمثل وظيفة دائمة لمواكبة كل ما هو جديد في مجتمعاتنا، وهذا أيضاً تحدٍ آخر». وتخلف كوفمان في منصب مديرة التحرير آلان فراشون الذي عمل سابقاً مثلها في «وكالة الصحافة الفرنسية». وكانت انضمّت الى أسرة «لوموند» عام 1988، قبل ان تجوب العالم من الولاياتالمتحدة الى جنوب شرقي آسيا وأيضاً دول أوروبا الشرقية، ما يعني ان مهماتها الجديدة تمثل تحولاً كبيراً في سياق حياتها المهنية. وتقر كوفمان بهذا التحول، وتقول إن عملها مراسلة ل «لوموند» مكّنها من القيام بأمور استثنائية ومن مراكمة الأسفار والتجارب، وأن الوقت حان أخيراً «لنقل هذه التجربة وإعادتها الى الصحيفة التي أعطتني الكثير». وكشفت انها ستسعى، على رغم مهماتها الجديدة، الى عدم الانغلاق، «وإنما البقاء على صلة بأشخاص من خارج الصحيفة عبر رحلات قصيرة لمقابلة مثقفين أجانب أو رؤساء دول أو تغطية مؤتمرات». ويترقب كثيرون من الصحافيين في «لوموند» الدمغة التي ستضعها كوفمان على الصحيفة، ويعتبرون أن العمل معها مريح وأنها صحافية جيدة وتتمتع بالدقة والحيوية. ويرى هؤلاء أن من المهم أن تكون مديرة التحرير صاحبة خبرة في مجال السياسة الدولية، «لأن هذا من شأنه تجنيب «لوموند» الانغلاق الذي شهدته حيال القضايا الدولية أثناء فترة إدارتها من قبل جان ماري كولومباني وادوي بلينيل، اللذين ركّزا اهتمامهما على الشأن الفرنسي.