بعد مضي عامين وشهرين إلا أسبوعاً على الاعتداء الذي قاده ضد وحدات الجيش اللبناني في بلدة عبرا شرق صيدا في 23 حزيران (يونيو) 2013 واختفائه في اليوم التالي على رأس مجموعة من أنصاره، تمكن الأمن العام اللبناني من خلال دائرة الجوازات التابعة له في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت من توقيف إمام مسجد بلال بن رباح الشيخ أحمد الأسير ومعه شخص آخر وهما في طريقهما الى القاهرة ومنها الى نيجيريا استناداً الى تذكرتي السفر اللتين أبرزاهما لمسؤول في محطة الخطوط الجوية المصرية لدى سؤالهما، كما علمت «الحياة»، عن وجهة سفرهما بعد القاهرة. وبتوقيف الأسير ورفيق له يحمل جواز سفر لبنانياً باسم خ. ص.، يكون الأمن العام برئاسة مديره اللواء عباس إبراهيم حقق إنجازاً أمنياً تعامل معه الوسط السياسي في لبنان على أنه صيد ثمين بعدما خضع الأسير فور اختفائه من صيدا متنكراً بلباس امرأة الى مراقبة وملاحقة شديدتين ما اضطره في الأشهر الأولى من ملاحقته الى مخاطبة أنصاره بصوته عبر مواقع التواصل الاجتماعي يحرضهم على الجيش والقوى الأمنية من دون صورة له، لئلا تظهر عليه آثار الجراحات التي خضع لها. وفور توقيف الأسير الذي حصل قبل وقت قصير من إقلاع الطائرة المصرية الى القاهرة في الحادية عشرة من صباح أمس، اتصل اللواء إبراهيم الذي أشرف شخصياً على ملاحقته حتى لحظة توقيفه برئيس الحكومة تمام سلام وبوزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق والنائب العام التمييزي القاضي سمير حمود واضعاً إياهم في الإنجاز الأمني الذي تحقق والذي قوبل بتنويه خاص منهم، خصوصاً أن هناك مذكرات توقيف عدة صادرة في حقه ومعه عدد من أنصاره، علماً أن القوى الأمنية سبق أن أوقفت العشرات من أنصاره وبعضهم حكم عليه بجرم الاعتداء على أمن الدولة وتهديد الاستقرار والإخلال بالأمن والتحريض على الفتنة، فيما أفرج لاحقاً عن البعض الآخر من الموقوفين. وعلى رغم أن اللواء إبراهيم الذي كان وراء إلقاء القبض على الأسير وهو يحمل جواز سفر فلسطينياً مزوراً باسم رامي عبدالرحمن طالب ورفيقه خ. ص. الذي ضبط معه جواز سفر لبناني يجري حالياً التدقيق فيه للتأكد من أنه غير مزور، يصرّ على حجب المعلومات عن وسائل الإعلام لأن ما يهمه كما قال مصدر في الأمن العام أن يأخذ التحقيق القضائي مجراه فور الانتهاء من التحقيق الأمني الأولي معهما، فإن «الحياة» تمكنت من جمع تفاصيل أولية علماً أن توقيفهما بقي سراً لأكثر من ساعة ونصف ساعة. وعزا مرجع أمني رفيع السبب كما قال ل «الحياة» الى أنه كانت هناك ضرورة لإبقاء توقيفهما طي الكتمان إفساحاً في المجال أمام الجيش اللبناني والقوى الأمنية الأخرى لرفع مستوى الجاهزية في صيدا لتكون قادرة على ضبط ردود الفعل. وأكد المرجع نفسه ل «الحياة» أن الجيش عزز وجوده في صيدا وجوارها وصولاً الى محيط مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، وسيّر دوريات راجلة وأخرى مؤللة وأقام حواجز ثابتة خصوصاً في بعض المناطق التي كانت تعرف في السابق بأنها مناطق احتكاك، وذلك لمنع ردود الفعل أكانت غاضبة على اعتقال الأسير أو فرحة لتوقيفه. ولفت هذا المرجع الى أن الرسائل «الالكترونية» التي تم تبادلها عبر مواقع التواصل فور انتشار خبر توقيف الأسير، وبعضها يحرض على الدولة ويدعو للتحرك في الشارع، لم تنعكس أبداً على الوضع في صيدا وجوارها. وقال إن الحياة كانت طبيعية وأن المواطنين مارسوا أعمالهم بصورة عادية وأن زحمة السير كانت خانقة، إضافة الى الحركة التجارية العادية. وبالعودة الى تفاصيل توقيف الأسير ورفيقه، علمت «الحياة» من مصادر مواكبة أنهما حضرا بصورة طبيعية الى المطار وتوجها فوراً الى مكتب الخطوط المصرية وكان في حوزتهما تذكرتا سفر الى القاهرة للمرور فيها بصورة موقتة (ترانزيت) ومنها الى نيجيريا وفق بيان الأمن العام الذي ورد فيه أنه كان يحمل تأشيرة صحيحة للبلد المذكور. وقالت هذه المصادر إن الأسير كان يحمل جوازاً مزوراً باسم رامي عبدالرحمن طالب وأن لدى رفيقه جواز سفر لبنانياً باسم خ. ص.، وأن بطاقتي السفر مطابقتان لجوازي سفرهما ولفتت الى أنهما لا يحتاجان للحصول على سمة دخول الى القاهرة لأنهما لن يغادرا حرم المطار حيث سينتظران إقلاع طائرة أخرى الى نيجيريا. وتابعت أن الأسير وخ. ص. حصلا على البطاقتين اللتين تخولانهما السفر الى القاهرة ومن ثم توجها الى مركز الجمارك اللبنانية في المطار وأخضعا حقيبتيهما للتفتيش، وبعدها سارا في اتجاه مركز الأمن العام لختم جوازيهما. وفيما ختم الأسير جواز سفره وتوجه الى القاعة المخصصة للركاب المسافرين الى القاهرة، فإن الأمن العام أوقف خ. ص. الذي كان على متن الرحلة نفسها للمغادرة الى المكان نفسه، رهن التحقيق أثناء ختم جوازه. وبعد فترة قصيرة على توقيف خ. ص. للإشتباه فيه وإخضاعه للتحقيق، توجه عدد من عناصر الأمن العام الى القاعة المخصصة للمسافرين الى القاهرة وأوقفوا رامي عبدالرحمن طالب الذي تبين لاحقاً أنه المطلوب الأسير. وجاء توقيف الأسير كما - قالت المصادر - قبل دقائق من إقلاع الطائرة الى القاهرة واقتيد فوراً وسط حراسة أمنية مشددة الى خارج حرم المطار حيث أوقف بناء على إشارة من النيابة العامة التمييزية. وتردّد أن الأسير ورفيقه كانا يحتفظان بتذكرتي سفر غير اللتين أبرزاهما لمسؤول المحطة التابعة للخطوط المصرية، سيستخدمانهما للسفر من القاهرة الى دولة أخرى لم يكشف النقاب عنها، وأن احتفاظهما بتذكرتي السفر الى نيجيريا قد يكون من باب التضليل لقطع الطريق أمام أي شكوك في حال إبرازهما في مطار بيروت تذكرتي السفر المذكورتين. أما كيف تم التعرف على الأسير الذي بوشر التحقيق معه بإشراف اللواء إبراهيم شخصياً، فقالت المصادر المواكبة إن الأسير كان يلبس زياً مدنياً أثناء توقيفه لكنه حليق الذقن وخضع لأكثر من عملية تجميل لتغيير معالم وجهه. إلا أن الأمن العام يملك قدرة فنية وتقنية عالية قادته الى التعرف عليه بعدما أجرى مقارنة بين صور فوتوغرافية اتخذت له قبل تواريه عن الأنظار وصدور مذكرة توقيف في حقه وبين صورته الحالية. وتبين أن خضوعه لعمليات التجميل أبقى ملامح معينة كانت جامعة بين كل هذه الصور وبالتالي لم يكن في حاجة على الأقل الآن لإخضاعه لفحص الحمض النووي لتحديد هويته الوراثية. لذلك فإن الأسير يخضع لتحقيق أحيط منذ اللحظة الأولى بسرية تامة، في ضوء أن كبار المسؤولين في الحكومة ارتأوا ترك الأمر بيد اللواء إبراهيم نظراً لحرصهم على سير التحقيق والاعترافات التي سيدلي بها والتي يمكن أن تقود الى اكتشاف عدد من أنصاره الذين لا يزالون متوارين عن الأنظار. في الإجابة على السؤال قالت المصادر عينها إن هناك أكثر من ضرورة أمنية تستدعي عدم التسرع في الإعلان عن توقيفه خصوصاً أن الاعتبارات تبقى أهم من تسجيل سبق إعلامي أو أمني، ومن أهمها أن للأمن العام كما للأجهزة الأمنية الأخرى خبرة في مطاردة المطلوبين وتوقيفهم، خصوصاً إذا كان المقصود في هذا المجال الأسير. وأضافت أن حرص الأمن العام على عدم الكشف فوراً عن توقيفه يعود الى أن مجموعات تابعة له سارعت الى إجراء مسح أمني ليس في داخل المطار وإنما في المنطقة المحيطة به وصولاً الى الطرق المؤدية له، لأن هناك من تكفل بإيصال الأسير الى المطار والانتظار بعيداً عن الأضواء ليطمئن أن الطائرة أقلعت وأن الأسير ورفيقه فيها وأن أحداً لم يتمكن من التعرف عليهما. ولاحقاً ذكرت الوكالة الوطنية للاعلام أن السيارة التي أقلت الأسير الى المطار هي من نوع مرسيدس بيضاء اللون رقمها 254635 /ط، وقد تم توقيف سائقها. وأكدت أن الأجهزة الأمنية سارعت أيضاً الى تحليل الصور التي التقطتها الكاميرات في داخل المطار أو في محيطه للتعرف على صاحب السيارة التي أقلته للسفر الى القاهرة ومن أين جاء به الى المطار ومن هم الأشخاص الذين تولوا حماية هذه السيارة ومراقبة الطرق التي سلكها سائقها لئلا يتعرض لمكمن قد يكون منصوباً له. وعليه كان السؤال في السابق عن المكان الذي اختفى فيه الأسير وظل في «مأمن» طوال هذه الفترة من رقابة القوى الأمنية، أما اليوم فلا بد من السؤال عن مرحلة ما بعد توقيفه.