ما زالت تتذكر الضربات القاسية التي توسمت في جسدها منذ سنوات، ومع ذلك فإن الشعور بالألم والأوجاع المتفرقة تزيدها إصراراً في الحفاظ على عائلتها من الانهيار والضياع ولملمة ما تبقى من شتاتهم النفسي. تعيش أم سامي في حي العود وسط بيت شعبي يفتقر إلى أبسط حقوق الإنسان في الظفر بحياة كريمة تلبي قوت يومه. الجوع والعوز والحرمان هي عناوينهم اليومية، فلم يسع الأم الأربعينية من حيلة سوى التسكع في الشوارع وسؤال الناس للحصول ولو بقيمة خبز بريال واحد لتفرح به أبناءها. بدأت معاناة أم سامي مع زوجها الذي طلقها منذ نحو أربعة أعوام، لتنطلق رحلتها في البحث عن مكان يأويها، فلم تجد سوى منزل شعبي مهترئ وضيق لتسكن مع أولادها الثمانية، إذ يتزاحمون فيه بمشاركة الحشرات. تقول في حديثها ل«الحياة»: «بعد أن رمى علي زوجي يمين الطلاق بدأت حياة التشتت والانتظام في سلسلة من المراجعات الحكومية، وذلك بسبب رفضه الحضور إلى المحكمة لإصدار صك شرعي يثبت طلاقه لي»، لافتة إلى أنه لا يتجاوب مع مندوب المحكمة، على رغم تكرار دعوته لحضور الجلسة بعد إقامتها دعوى ضده أكثر من 20 مرة من دون جدوى. وتضيف: «رفض زوجي المصادقة على صك الطلاق والاعتراف به ووضعني في مأزق وقيّد تحركاتي وحرمني الاستفادة من معاش الضمان الاجتماعي أو طلب مساعدات الجمعيات الخيرية لأنهم يطلبون صك الطلاق»، مشيرة إلى أنها حاولت مراراً إقناع القاضي بأن يحكم عليه غيابياً نتيجة رفضه الحضور ولكنه أصر على رأيه بعدم الحكم والفصل في القضية إلا بحضوره حتى لو طالت المدة. وتتابع: «تكبدت خسائر كبيرة بسبب كثرة ذهابي بسيارة الأجرة من حي العود إلى المحكمة»، موضحة أن تعيش في عوز وقلق وحيرة لا يعلمها إلا الله. وتعود أم سامي بالذاكرة إلى الوراء: «كثرة اعتدائه بالضرب وصب الماء الساخن علي أجبرتني على تقديم شكوى إلى الشرطة والمشايخ ليوقع تعهدات بعدم ضربي ولكنه سرعان ما ينقض العهد ويعاود ضربي وأطفالي من دون سبب»، مؤكدة بأنه كان يقوم بربط احد أطفالها بالسلاسل. رفض الأب وتعنته امتد إلى حرمانهم من حقوقهم المدنية، فقد رفض استخراج دفتر عائلة وإضافة أفراد أسرته فيه، إضافة إلى منعهم من الدخول إلى المدرسة فلم يلتحق أي أحد منهم بمقاعد الدراسة ولو ليوم واحد ومستقبلهم في البحث عن وظيفة مظلم. وتشرح الأم بأسى بأن ابنتها الكبرى بلغت من العمر 23 عاماً ولا يمكنها معرفة كتابة حرف واحد من اسمها، كما أن الجهل والمرض والفقر تحاصر ابنها الصغير الذي أصيب بمرض السكري ويتناول العلاج بالأقراص الخافضة. ولم يكن في وسع الأم سوى الخروج إلى الشارع وسؤال الناس والمارة عند الإشارات وفي الأسواق تحت حرارة الشمس وبيع أشياء بسيطة لتحصل على بضع ريالات لشراء مواد غذائية، ولكنها توقفت في الآونة الأخيرة لبرودة الجو وخوفها من الخروج لوحدها ليلاً وترك المنزل.