منذ بداية الألفية الثانية أو قبلها بقليل، بدأ الفضاء العربي يزدحم بالقنوات الفضائية، حتى انك تُشفق كثيراً على الجهاز اللاقط أو «الدش» أو جهاز الاستقبال الفضائي – لا مشاحة بالاصطلاح كما يقول الأصوليون - فهذا الجهاز المسكين ما ان يفرغ من استقبال الدمار والأشلاء المتطايرة في أنحاء العالم، حتى يُفاجأ ب «لحم» لكنه بلا «دم» ولا «أشلاء» ولا «هم يستحون»! وهذا اللحم المتكوّر جسداً يتم تمريره عبر مسميات أُخرى، وغالباً ما يكون تحت مسمّى «فن»، وكلمة «فن» هي في الأصل تتكون من ثلاثة أحرف، كانت لها «ع» في البداية، ولكن هذه العين تم إغماضها قسراً لمرور الجسد إياه بطريقةٍ «ملتوية»، والالتواء هو فن بحد ذاته، وله محبوه وأبطاله ومشاهدوه، وبرع واشتهر في هذا الفن بعض أنواع «الثعابين» في الصحراء العربية وفيفي عبده وروبي و«بتاعة الواوا»! بعد تلك الطفرة الإعلامية الفضائية التي حوّلت الشاشة إلى غرفة نوم دافئة، هذا إن لم تحوّلها إلى «بانيو»، وطبعاً هذا العُري لا يكفي شجبه واستنكاره، لهذا قرر الأوصياء على تراث الشعوب إنشاء قنوات لجذب المشاهدين - وهم على كل حال ليسوا شباباً فقط - وتعريفهم بتراثهم العريق وأصالة «الماضي»، وبسرعةٍ عجيبة تكاثرت هذه القنوات، وتوالدت وتناسخت، حتى لكأنك تردد مع الشاعر:(تكاثرت الضباع على خراشٍ/ فما يدري خراش ما يصيد) لكن الضباع الجديدة مارست عُرياً آخر حتى ردد المشاهد: «رحم الله الحجاج عند ولده»، فعري الجسد بدأ أقل ضرراً من العري الفكري التي تمارسه «الضباع الجديدة»، فتبنّت خطاباً مكثّفاً يدعو لإحياء نعرات نتنة، ودفعاً بابن «المدينة» إلى مصطلحات بائدة تدعو إلى ردةٍ ثقافيةٍ واجتماعيةٍ مخيفة، من دون أي مراعاة للنشء الذين يدّعون انهم يريدون جذبهم وإبعادهم عن النساء الكاسيات العاريات لكن إلى أين؟ إلى فتنة يجاهدون بإحيائها وإيقاظ شؤمها تحت مسمّى «تراث». يا هؤلاء إن كان التراث هو نعرات باهتة وفخر مصطنع فلا نريده، قد نغضب من ممارسة العري لأنها تخدش أذواقنا، لكننا نغضب أكثر لو حاول أحد خدش وحدتنا الوطنية... أفهمتم؟ [email protected]