تستنفد إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما كل طاقاتها الديبلوماسية والإعلامية في الولاياتالمتحدة، لتسويق الاتفاق النووي المُبرم مع إيران، وتأمين إقراره في الكونغرس الشهر المقبل، ولو اضطر أوباما إلى استخدام حق النقض (فيتو) الرئاسي. المعارضة الشرسة للاتفاق، خصوصاً من اللوبي الإسرائيلي، تحشر الإدارة، لجهة ترددها في الانفتاح في شكل أكبر على طهران، لمناقشة الملف السوري، وتصرف الجهود عن نيل تفويض آخر من الكونغرس، للحرب على تنظيم «داعش». ويرى فريديريك هوف، وهو خبير في معهد «أتلانتيك كاونسل»، أن أوباما «قد يكون حسم قراره لإزاحة عبء سورية، وإيجاد تسوية عبر الضغط عسكرياً (المنطقة الآمنة) وديبلوماسياً (عبر روسيا)»، لكن الحوافز السياسية في الداخل الأميركي، وتلك الميدانية في سورية، لا تمنح الإدارة هامشاً واسعاً للتحرّك. وأبلغت مصادر بارزة في الكونغرس «الحياة» أن الإدارة «لم تبحث في موضوع المنطقة الآمنة مع النواب، ولا وضوح إطلاقاً عما تسعى الإدارة لفعله مع تركيا». وأضافت المصادر المؤيدة لفكرة المنطقة الآمنة، وكانت طرحتها على البيت الأبيض عام 2014، أنها تشكّل «الخيار الوحيد الواقعي الآن، لاحتواء النزاع وتأسيس مناطق لاستيعاب اللاجئين». لكن مصادر أخرى عادت من طهران أخيراً قالت ل «الحياة» إن فكرة المناطق الآمنة تشكل «خطاً أحمر» بالنسبة إلى القيادة الإيرانية، مشيرة إلى أنها «لم تقبل بها»، ما سيزيد حذر البيت الأبيض، وقد ينعكس سلباً على الاتفاق النووي، قبل البدء بتطبيقه في أيلول (سبتمبر) المقبل. والإدارة لا تبدو قادرة أيضاً على نيل تفويض آخر للحرب على «داعش»، مع مرور سنة على الضربات التي تستهدف التنظيم، وهي توظف كل طاقاتها لمنع الجمهوريين في مجلس الشيوخ من حصد 67 صوتاً لإحباط اتفاق فيينا، بعد فيتو رئاسي من أوباما. وهناك انفتاح أميركي– غربي على المسار الروسي، من دون التعويل كثيراً على نتائجه، في ظل الظروف في سورية. فمن جهة يفتح أفقاً ديبلوماسياً للتسوية، أفضل من جمود الأشهر الماضية، ويتقاطع مع تحسّن في العلاقات الروسية- الأميركية. وأبلغ مسؤول أميركي بارز «الحياة» أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خاطب الوفد الأميركي في نهاية مفاوضات الدول الست مع إيران في فيينا، قائلاً: «قدّمنا نموذجاً ناجحاً هنا، ربما نحاول تكراره في قضايا أخرى». لكن تكرار هذا النموذج سيحتاج الآن إلى تحفيز ثقة طهران بجدية الأميركيين، وامتناع الكونغرس عن عرقلة الاتفاق، أو تشديده العقوبات المفروضة على إيران. ويواجه أوباما معركة صعبة، بعد «انقلاب» السيناتور الديموقراطي المخضرم تشاك شومر على الاتفاق، علماً أنه مرشح لتولي زعامة الديموقراطيين العام المقبل، خلفاً للسيناتور هاري ريد. وكان البيت الأبيض يأمل على الأقل بأن ينتظر شومر حتى الشهر المقبل، أو يمتنع عن التصويت من دون المجاهرة بمعارضته الاتفاق. ويعني رفضه الاتفاق في هذا الشكل، تحدياً للبيت الأبيض وأزمة أعمق لأوباما مع الأميركيين اليهود. وكان نواب ديموقراطيون طلبوا من أوباما الحضور شخصياً إلى الكونغرس، والانخراط في شكل أفضل مع أعضائه. وستحمل الأسابيع المقبلة مزيداً من المؤشرات حول ميول الكونغرس، مع توجّه النواب إلى ولاياتهم في العطلة الصيفية، وإصغائهم إلى ناخبيهم وموقفهم من الاتفاق، علماً أن استطلاعات رأي منحت الاتفاق مع إيران نسبة تأييد ضئيلة لدى الأميركيين، لم تتجاوز 28 في المئة.