بالصدفة، علم الفنان وديع الصافي أن هناك شخصاً يدعي أنه ابنه، يطلب مواعيد عاجلة مع بعض الشخصيات السياسية والاجتماعية ورجال الأعمال و «يشحذ» منهم أموالاً كمساعدات ل «والده» المزعوم «وديع الصافي» «المريض» و «غير القادر على العمل». وبما أن اسم الصافي في لبنان قيمة فنية خالصة، فإن أغلب تلك الشخصيات كانت «تتشارك في مد «يد العون». وبذلك فقد تمكن «الشحّاذ» من جمع مبالغ مادية بطريقة احتيالية «مبتكرة». وعندما ألقي القبض عليه وأودع السجن، رق قلب الصافي عليه وعلى عائلته «وأسقط حقه» وتركه... لله. هذا الذي فعله المحتال يمكن وضعه في خانة... الخيال الغريب... إنه حقاً صاحب خيال غريب، عندما تفتّقت عبقريته عن مثل هذا العمل الذي ينتمي إلى النّصب... بالأخلاق، أو النصب عبر كرامة فنان. كأن أدوات النصب والاحتيال المعروفة لم تعد كافية، فذهب «جنابه» إلى ما يُعَدّ «ثورة» في استدرار العطف أو الشفقة الممزوجة... بالكبر، ومن الطبيعي أنه كان يدخل منازل أو مكاتب ضحاياه ويخرج معززاً مكرماً كابنٍ صالح يسعى إلى «ستر» والده، كما أن من الطبيعي أن الضحايا كانوا يبادرون إلى تلبية طلب المساعدة وكأنهم ينجزون مهمة وطنية سامية. هذه المرة كان وديع الصافي هو المادة التي يستخدمها نصّاب لجمع مال... حرام يطيح بشهرة شخصية فنية راقية. لكن بما أن الشيء بالشيء يذكر، فقد كان الصافي نفسه، ذات يوم قريب، وقبل عشر سنوات بالتحديد، ضحية فعلية لابن أحد الفنانين اللبنانيين الراحلين الكبار، الذي قصده حاملاً «ألبوم» صُوَر ضخماً لوالده صاحب الأعمال الفنية المشهورة، وتلا بين يدي الصافي، أمثولة في الأخلاق والإنسانية التي عرفت عن الصافي، وطلب إليه مد يد المساعدة لعائلة الفنان الراحل لأن الحاجة تقض مضجعها، فتحركت حمية الصافي الذي يتأثر كثيراً لوضع أي فنان محتاج، أو عائلة فنان محتاجة، ودفع مبلغاً جيداً من المال لهذا الابن، على اسم والده الراحل، واعتبر أنه قام بواجب إنساني وفني، ثم اتصل بعد خروج ابن الفنان الراحل من منزله، بأحد الأشخاص المتابعين لأحوال الفنانين وظروفهم سائلاً عنه... فاكتشف الحقيقة المرة... ما هي تلك الحقيقة؟ اكتشف وديع الصافي أن ابن الفنان الراحل الذي كان في داره قبل دقائق قليلة طالباً مساعدة مالية، وهو الابن الحقيقي لذلك الفنان، «يتاجر بوالده منذ سنوات، ويقصد بعض الشخصيات السياسية والفنية والاجتماعية ورجال الأعمال عارضاً عليهم حاله وحال زوجة الفنان الراحل وأولاده «المزرية»، فيأخذ منهم ما يستطيع، ويذهب في سبيله، وكان عُرف عن سبيله أنه سبيلٌ سيئ. المسألة كلها تتعلق بالأخلاق. يتجاوز مواطن لبناني مكارم الأخلاق فيتلبس شخصية ابن فنان كبير لا يزال على قيد الحياة ليقتنص المال على أهون طريق، أو يتجاوز ابن حقيقي لفنان راحل كبير آخر مكارم الأخلاق نفسها، ليقتنص المال على «أصعب» طريق، أي على طريقة إماتة والده مرة ثانية، أو قتله، والثانية هي الأصح! وإذا كان مستحيلاً علينا أن نعرف بماذا شعر الفنان الراحل وهو «يرى» ابنه يحمله على «ألبوم» صُوَر «ويبيعه للناس ولفنانين آخرين بأسلوب أقل ما يقال فيه إنه عقوق لا لبس فيه، فإن شعور الفنان وديع الصافي قاله في الإعلام مستخلصاً أن «لهون وصلنا؟» و «اللافت أن هذا الفنان الكبير كان كبيراً حقاً عندما سامح منتحل صفة ابنه مستشعراً أنه قد يكون محتاجاً بالفعل، وعرض الصافي على بعض ضحايا «ابنه» المزعوم أن يردّ لهم الأموال التي دفعوها وهم يظنون أنها ذاهبة إليه، إذا أرادوا... عبر بيع بناية سكنية يملكها في منطقة القليعات الكسروانية. «الى هنا وصلنا؟» سأل وديع الصافي... فمن يستطيع الجواب؟ المجتمع أم السلطة أم حال الفنانين أم شهوة جريمة الحصول على المال من دون النظر إلى من يمكن أن تجرفهم تلك الشهوة - الجريمة في الطريق؟