حينما قُدّر للموسيقار العالمي سيمون شاهين أن يترك بلاده ويبدأ رحلة البحث والدراسة في الموسيقى الشرقية، تعمق في الموروثات الحضارية العربية والفارسية والهندية والتركية والبحر متوسطية. وعمل شاهين على استنطاق هذه الموروثات بروح جديدة من خلال لغة موسيقية تستحضر التاريخ والملاحم والأساطير والثقافة الاستشراقية بمجملها. وهو ما بدا واضحاً في حفلته التي أقامها في نادي القنصلية الأميركية في جدة ليل الثلثاء - الأربعاء، ضمن إطار التقارب الثقافي الذي تفعّله القنصلية من وقت الى آخر، وتتواصل فيه مع فنانين ومثقفين وإعلاميين بارزين. عزف الموسيقي الدكتور سيمون شاهين الأميركي من أصل فلسطيني، ستّ مقطوعات من بينها تقاسيم مشتغلة على المقامات الحجازية. فهو يضطلع بدور ريادي في العمل الموسيقي، مستغلاً موهبة نادرة في العزف على العود والكمنجة في شكل أساسي، ليعطيها بريقاً فريداً وتألقاً كبيراً، ذلك ما لمسه الجمهور في معزوفاته الكلاسيكية العربية العائدة إلى الفترة العباسية وأساطينها من الموسيقيين: الفارابي والأصفهاني وإسحق الموصلي. كما ذكّر بأعمال الموسيقي العربي الأشهر «زرياب»، أهم المحدثين في تاريخ الموسيقى العربية، والذي عاش في الفترة ما بين عام 777، إلى 852، ونقل فنون بغداد الموسيقية إلى قرطبة حاضرة بني أمية وقبلة الموسيقى في دولة الأندلس التي ما فتئت تُثري أوروبا علماً وفناً على مدى خمسة قرون خلت. يذكّر شاهين بذلك أثناء توقفاته بين معزوفة وأخرى محلقاً على مدارج المقامات الشرقية، من النهاوند والبياتي والصبا والسماعي، إلى التقاسيم والموشحات والأدوار الشرقية الأصيلة المطعمة بنغمات حداثية رشيقة، سانده فيها عازف الكونترباص ماثيو كيلمر وبيتر هيربيرت على الإيقاعات بما يشكلون فرقة «قنطرة» التي أسسها سيمون قبل سنوات. وقال شاهين ل «الحياة»: «أشعر بسعادة بالغة لزيارتي السعودية، ومنذ فترة وأنا أتعمق في الألوان الموسيقية والغنائية في الجزيرة العربية». وأضاف: «وصولي الى نيويورك كان مرهوناً بتحديات وصعوبات حول شرح الفن الشرقي لشعب يجهل ثقافتنا وفننا العربي المشرقي، فهم يعتقدون بأن الفن الشرقي هو «هز الخصر»، لذلك أحاول المساهمة مع موسيقيين عرب آخرين في نشر ثقافتنا لمن يجهلها، إذ لا أقدم موسيقى فقط بل هو فكر وتاريخ وثقافة ونضال». وأفاد بأنه أسّس مدرسة لتعليم الموسيقى الشرقية لتحقيق هذا الهدف، إضافة الى تنظيمه مخيمات موسيقية في الكثير من المدن الأميركية والعربية، كما يقوم بزيارة سنوية لمدن فلسطين لتفعيل ورش التعليم الموسيقي. وفي اختتام الأمسية عبّر عن سعادته باحتفاء الجمهور السعودي، ووعد بأن تكون زيارة الفرقة في المرة المقبلة أطول من هذه الزيارة. وقال مدير جمعية الثقافة والفنون في جدة عبدالله باحطاب: «ما سمعناه الليلة ناتج من دراسات معمّقة للموسيقى العربية، وإنتاجه يتداخل مع النضال الشعبي كما نرى في مؤلفه «الجدار» وألبومه الأخير الذي يحمل عنوان «العلم الأزرق»، وكذلك في الموسيقى التصويرية التي ألّفها للعديد من الأفلام ومنها «شالترنغ سكاي»، و «مالكوم إكس»». وكان باحطاب قدم دعوة لفرقة قنطرة لتقديم أمسية موسيقية تنظمها الجمعية، غير أنه أعرب عن أسفه لعدم تمكن الفرقة من ذلك واعتزامها مغادرة المملكة في اليوم التالي مباشرة. فيما تمنى مدير العلاقات العامة في القنصلية الأميركية «جيفري هيل» تكرار زيارة فرقة «قنطرة» وتقديم أكثر من حفلة في المملكة.